دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الناخبين في بلاده إلى تحالف كبير في مواجهة التطرف، في حين دعا رئيس الوزراء غابرييل أتال إلى منع أقصى اليمين من الهيمنة على البرلمان بعد تصدره الجولة الأولى للانتخابات التشريعية الفرنسية وبات قريبا من الوصول إلى الحكومة لأول مرة في تاريخ البلاد، التي شهدت مظاهرات احتجاجية على صعوده.
وقال ماكرون في تصريح مكتوب وزع على وسائل الإعلام مساء أمس “في مواجهة التجمع الوطني، إنه الآن وقت تحالف واسع يكون بوضوح ديمقراطيا وجمهوريا في الدورة الثانية”.
وأشاد ماكرون بالمشاركة الكبيرة في الدورة الأولى من الانتخابات معتبرا أنها “تُظهر أهمية هذا الاقتراع بالنسبة لجميع مواطنينا وإرادة توضيح الوضع السياسي”، مضيفا أن “خيارهم الديمقراطي يلزمنا”. وذلك بعدما جمع رؤساء أحزاب يمين الوسط الذين يحكم معهم منذ 2017.
من جهته، ناشد رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال الناخبين “عدم إعطاء اليمين المتطرّف ولو صوتا واحدا في الجولة الثانية من الانتخابات العامة” المقررة الأحد المقبل.
وقال أتال إن “اليمين المتطرف على أبواب السلطة، وقد يحقق غالبية مطلقة. مضيفا “هدفنا واضح: منع حزب التجمع الوطني من الفوز في الجولة الثانية. ويجب ألا يذهب أي صوت إلى حزب التجمع الوطني”.
أما زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، فأكدت أن “معسكر ماكرون تم محوه عمليا”، معلنة إعادة انتخابها من الدورة الأولى في دائرتها با دو كاليه بشمال البلاد.
ورفض حزب الجمهوريين (يمين محافظ)، الذي حصل على نحو 10% من الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية بحسب أولى التقديرات، دعوة ناخبيه إلى التصويت ضد التجمع الوطني اليميني المتطرف في الدورة الثانية.
وقالت قيادة الحزب في بيان “حيث لن نكون موجودين في الدورة الثانية، وبالنظر إلى أن الناخبين أحرار في خيارهم، لن نُصدر تعليمات وطنية، وسنترك الفرنسيين يعبرون استنادا إلى ضمائرهم”. واعتبر النائب الأوروبي عن الجمهوريين فرنسوا كزافييه بيلامي أن “الخطر الذي يهدّد بلادنا اليوم هو اليسار المتطرّف”.
وفي معسكر اليسار، أعلن المدافعون عن البيئة والاشتراكيون والشيوعيون أنهم سينسحبون إذا كان ثمة مرشح آخر في موقع أفضل للحؤول دون فوز التجمع الوطني. كما أعلن رئيس كتلة اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون انسحاب مرشحي اليسار الذين احتلوا المركز الثالث أمس.
ورأى ميلانشون زعيم حزب “فرنسا الأبية” أن نتائج الانتخابات تشكل “هزيمة ثقيلة لا تقبل الجدل للرئيس ماكرون”، وقال “التزاما بمبادئنا ومواقفنا الثابتة في كل الانتخابات السابقة نسحب ترشيحنا لأننا لم نحتل سوى المرتبة الثالثة”.
وبينما قال إن الجولة الثانية من الانتخابات ستقود إما إلى انقسام المجتمع، أو تكريس التعاون والمصلحة العامة، حذر النائب في البرلمان الأوروبي عن اليسار رافاييل غلوكسمان من صعود اليمين قائلا “أمامنا 7 أيام لتجنيب فرنسا كارثة”.
مظاهرات
وفي إطار ردود الفعل الشعبية، خرج آلاف الأشخاص في فرنسا إلى الشوارع أمس للتظاهر ضد صعود اليمين المتطرف في أعقاب الأداء القوي لحزب التجمع الوطني في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية.
واحتشد الناس في باريس والعديد من المدن الأخرى للاحتجاج ضد حزب مارين لوبان والتحول نحو اليمين في فرنسا. وشهدت ساحة الجمهورية بالعاصمة تجمعا احتجاجيا حاشدا بعد دعوة للتظاهر من قبل التحالف اليساري الجديد. وشارك في الاحتجاج أيضا سياسيون يساريون بارزون.
كما جرت مسيرات احتجاجية في نانت وديجون وليل ومرسيليا. ووفقا لتقارير إعلامية، اندلعت اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة في ليون، ثالث أكبر مدن فرنسا. وأقيمت حواجز وتعرض ضباط شرطة للضرب بالزجاجات والألعاب النارية.
وطبقا للنتائج الأولية، تصدر أقصى اليمين في فرنسا، ممثلا في حزب التجمع الوطني النتيجة الأولية في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية التي جرت أمس على مستوى البلاد، وحصل الحزب على 33% من الأصوات متبوعا بالجبهة الشعبية الجديدة الممثلة ِلتيار اليسار بحصولها على 28%، بينما لم يحصل معسكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلا على 22%.
ومع إحرازه أفضل نتيجة في تاريخه في الدورة الأولى من انتخابات تشريعية، لدى التجمع الوطني أمل كبير بالحصول على غالبية نسبية أو مطلقة في السابع من يوليو/تموز الجاري، التي ستحدد عدد المقاعد التي ستحصل عليها الكتل في الجمعية الوطنية.
وفي حال بات رئيسه جوردان بارديلا رئيسا للوزراء، ستكون المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية تحكم فيها حكومة منبثقة من اليمين المتطرف فرنسا. لكن رئيس التجمع الوطني سبق أن أعلن أنه لن يقبل بهذا المنصب إلا إذا نال حزبه الغالبية المطلقة.
وكرر بارديلا أمس بعد صدور أولى التقديرات أنه يريد أن يكون “رئيسا للوزراء لجميع الفرنسيين”، مشددا على أن “الشعب الفرنسي أصدر حكما واضحا”.
وسيفضي الأمر إلى تعايش غير مسبوق بين ماكرون، الرئيس الحامل للمشروع الأوروبي، وحكومة أكثر عداء للاتحاد الأوروبي. الأمر الذي سيضعف سلطة الرئيس ويجعل أمر السياسةِ الوطنية في يد رئيس الحكومة أكثر منها في يد رئيس الدولة في أغلب الملفات، بحسب ما يرى المراقبون.
والسيناريو الثاني الممكن هو جمعية وطنية متعثرة من دون إمكان نسج تحالفات في ظل استقطاب كبير بين الأطراف، الأمر الذي يهدد بإغراق فرنسا في المجهول.