“لو في أمان هناك زمان رجعنا، والله ميتين نرجع احنا”، بهذه الكلمات تصف اللاجئة السورية في مخيم الأزرق ناجية شتيوي (65 سنة)، رفضها ومعظم اللاجئين للعودة إلى سوريا لأسباب عدة تتمحور في معظمها حول الأمن المفقود في بلادهم.
لا يختلف حال ناجية عن معظم لاجئي المخيم وخارجه كذلك، الذين يرون في العودة إلى سوريا التي غرقت في حرب أهلية عام 2011، خيارا مستقبليا مؤجلاً إلى يوم غير معلوم، ريثما تتوافر عوامل مختلفة أبرزها الأمان.
خرجت ناجية من بلدة النمر في محافظة درعا في 2014 “خلال الضرب والحرب”، وعبرت عن رحلة اللجوء بقولها “انهزمنا”، وبشأن عودتها إلى سوريا بعد 10 سنوات من لجوئها في الأردن، تقول: “نفكر بالعودة والرجوع لسوريا لكننا نريد الأمان ولو في هناك أمان زمان رجعنا والله ميتين نرجع احنا”.
ويفيد تقرير الاتجاهات العالمية – الصادر حديثا عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 2024، بارتفاع عدد النازحين داخلياً في سوريا العام الماضي بمقدار 467,200 ليصل إلى 7.2 مليون شخص في نهاية 2023.
وعبرت ناجية، عن اشتياقها لذويها وبلادها بقولها: “نشتاق لبلادي وأخوتي … والله مشتاقتلهم مثل شربة المياه”.
يقع مخيم الأزرق للاجئين السوريين على بعد قرابة 100 كيلومتر شرق العاصمة عمّان، وتديره مديرية شؤون اللاجئين السوريين التابعة للأمن العام والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR).
ويشبه المخيم الذي أتم سنواته العشرة نهاية نيسان/أبريل الماضي، قرية صغيرة فيها أسواق وعيادات ومدارس ومرافق أخرى يحتاجها اللاجئون، ويعيش فيه 42479 لاجئا في قرابة 9 آلاف “كرفان” يشكلون قرابة 6.7% من اللاجئين السوريين في الأردن المسجلين في المفوضية.
ولا يختلف الأمر لدى أبو سرور (30 عاما) الذي تعود جذوره إلى “الشام” وكان يسكن ريف دمشق الذي يمتلك محالا في مخيم الأزرق ويعيش فيه منذ 2014، فهو “لا يود العودة إلى سوريا، لأن المعيشة هناك صعبة وأبو سرور مطلوب للخدمة في الجيش”.
يتحدث أبو سرور الذي يعيش بصحبة والدته وزوجتيه وأطفاله الخمسة، عن انقطاع الأخبار والمعلومات عن والده منذ 2012 عندما كان معتقلا في سوريا.
وعاد إلى سوريا في العام الماضي، 37,600 لاجئ وفق تقرير الاتجاهات العالمية، منهم 19,900 من تركيا و10,100 من لبنان و4383 من الأردن.
وأفادت دراسة مسحية نفذتها الأمم المتحدة العام الماضي، أن 97% من اللاجئين السوريين في الأردن المشاركين في الدراسة لا ينوون العودة إلى بلادهم خلال الـ12 شهرا المقبلة، وأجاب نحو ربع الرافضين للعودة في غضون عام أن لديهم الرغبة في الرجوع لسوريا خلال الخمس سنوات المقبلة.
وشكلت قضايا السلامة، والأمن، وسبل العيش، والعمل، والخدمات الأساسية، والإسكان في سوريا العوامل الرئيسية المؤثرة على عملية اتخاذ قرار العودة.
“البيت مدمر ومحروق”
ويفكر عيسى اللبني المقيم في مخيم الأزرق منذ عقد بالمنوال ذاته، ويرفض العودة بشكل قاطع في ظل استمرار الظروف الحالية.
ووصل عيسى إلى الأردن بعد قصف استهدف درعا أجبره على النزوح داخل بلاده، لكنه فضل اللجوء إلى الأردن لأن “الأردن أفضل وأكثر أمنا”.
“الشخص لا يكره العودة لكن البيت مدمر ومحروق ولا يوجد هناك أمن وأمان والعمل صعب والمعيشة مكلفة جدا، ولم يتبق في سوريا أمن أو عمل وهناك حرب”، وفق عيسى الذي عمل سابقا في مجال البناء والزراعة.
ويظهر تقرير “الوضع الاجتماعي والاقتصادي للاجئين في الأردن: إطار تقييم الاحتياجات: دراسة السكان لعام 2024″، أن الأسر في مخيم الأزرق تتمتع بظروف معيشية أفضل مقارنة بتلك الموجودة في مخيم الزعتري.
ويرى عيسى أن أفضل ما في المخيم هو “الأمن والأمان”، و”أسوأ شيء موضوع العمل، مضيفاً “الشغل خفيف ولم أعمل منذ سنة”.
وبحسب تقرير “الوضع الاجتماعي والاقتصادي”، انخفض معدل التوظيف بين اللاجئين في كلا المخيمين منذ عام 2021 (24% إلى 22% في الأزرق، ومن 28% إلى 25% في الزعتري)
“أعوذ بالله”
تظهر بيانات الفقر المحدثة الصادرة عن المفوضية والتي حللها البنك الدولي زيادة مثيرة للقلق في الفقر بين اللاجئين المسجلين الذين يعيشون في المخيمات، وصُنف 67% على أنهم فقراء، مقارنة بـ45% في عام 2021، بحسب التقرير.
يشكو باسم الغزاوي (43 سنة) من الوضع المعيشي، بقوله “أسوأ شيء صعوبة الوضع المعيشي والعمل” في مخيم الأزرق، لكنه يستأنس بعوده الذي يعشق العود عشق “ويخفف ضغوط الحياة” عنه حين يركن إليه.
وصل باسم للأردن في 2014، ويعمل مدرسا للغة العربية ويعيل أسرة مكونة من 6 أشخاص، ويشارك في حفلات موسيقية في المخيم وخارجه.
وعند سؤال لباسم بشأن العودة إلى سوريا، أجاب: أعوذ بالله – لا أمان – كنت أشارك بالتظاهرات وأعزف على العود خلال الاحتجاجات ولا أتوقع وجود عفو ولا أريد العودة بأي شكل.
“في المستقبل، آمل بالعودة بشكل كبير وأن يحدث تغيير حقيقي في البلاد وأن يصبح هناك أمان، والسبب الذي دعانا للخروج لا يزال موجودا”، بحسب باسم.
تقول المفوضية، إنها لا تشجع أو تسهل عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم في هذا الوقت، مبينة أن موقفها ينبع من “حقيقة أن الأوضاع الحالية في سوريا غير مناسبة لعودتهم الآمنة” مؤكدة أن قرار العودة إلى بلد الأصل هو طوعي تماما.
يستضيف الأردن أكثر من 1.3 مليون سوري منذ بداية الأزمة السورية في 2011، بينهم 631656 لاجئا سوريا مسجلا لدى المفوضية، وذلك حتى 4 حزيران/يونيو الحالي
ودعا نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، خلال أعمال الاجتماع الوزاري لمؤتمر بروكسل الثامن حول دعم مستقبل سوريا والمنطقة، إلى إنشاء صندوق يدعم العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى وطنهم.
وقال الصفدي إن الأردن بذل كل ما بوسعه لتوفير الأمن والكرامة لقرابة 1.3 مليون لاجئ سوري، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي تخلى عن اللاجئين السوريين مع تضاؤل التمويل اللازم لدعمهم في الدول المضيفة.