يهجس الأردنيون بغزة في حلهم وترحالهم، فيسارعون في عيد الأضحى الذي يكثف حضور وجع القطاع في وجدانهم، فيسارعون إلى تقديم ما في المقدور وأكثر لإخوانهم الذين يواجهون آلة الموت الاسرائيلية .
تكية أم علي تستقبل توكيلات الأضاحي من المتبرعين وأدائها بالنيابة عنهم بموجب فتوى لدائرة الإفتاء العام، ووفقا للشروط الشرعية للأضحية من حيث العمر، والوزن، والخلو من الأمراض والعيوب، حيث بلغ وزن الأضحية التي تم ذبحها خارج الأردن 35-40 كغم قائما و17-18 كغم صافيا.
وتبلغ تكلفة الأضاحي المحلية التي يتم أداؤها في مسالخ أمانة عمان 170 دينارا، وتوزع طازجة خلال أيام عيد الأضحى المبارك، فيما تبلغ تكلفة الأضاحي التي يتم أداؤها خارج الأردن 120 دينارا، ويشمل ثمنها الذبح، والتقطيع، والتجميد، والشحن إلى الأردن، وتتيح تكية أم علي للمتبرعين فرصة تتبع موعد أداء أضاحيهم خلال أيام العيد؛ عن طريق إدخال رقم الوصل المالي عبر موقعها الإلكتروني www.tua.jo .
جدير بالذكر، أن الأضاحي التي يتم أداؤها في أستراليا سوف يتم شحنها مجمدة إلى الأردن وتخزينها في مستودعات تكية أم علي ليتم توزيعها لاحقا على الأسر المستفيدة من تكية أم علي في الأردن، وعلى أهلنا في قطاع غزة
مساعد الأمين العام لشؤون الدعوة ومدير الوعظ والإرشاد في وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الدكتور إسماعيل فواز الخطبا، قال لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، إن من شعائر الله تعالى العظيمة، والتي نتقرب بها إلى خالقنا -عز وجل- في يوم النحر تقديم الأضاحي، قال الله تعالى: ((فصل لربك وانحر(2)) الكوثر: آية 2.
وبين الخطبا، أنه يجب علينا أن نعظم شعيرة الأضحية في قلوبنا وفي مجتمعاتنا، فكل شعائر الله معظمة، قال الله تعالى: (( ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب (32)) الحج: آية 32.
وقال:”المسلمون يعيشون في مشارق الأرض ومغاربها عيد الأضحى المبارك، وهو يوم النحر التي تقدم فيه الأضاحي لله تعالى تقربا وإخلاصا له سبحانه لقوله تعالى: ((لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم)) الحج: آية 37، والأضحية واجبة على كل قادر عند بعض أهل العلم وسنة عند غيرهم”.
وأشار إلى أن هذه الأضاحي منحصرة بالإبل والبقر والضأن والمعز يضحي صاحب البيت المستطيع عن نفسه وأهل بيته كبشا، وأن اشترك مع غيره يضحي جملا أو بقرة عن سبعة، موضحا أن هذه اللحوم باختلاف أنواعها إنما هي شعيرة من شعائر الله تؤدى في أربعة أيام يوم العيد، وفي ثلاثة أيام التشريق تنتهي برابع أيام العيد تشبها بالحجيج الذين تنتهي مناسكهم في هذه الفترة.
وأضاف، أن الأخوة في هذا البلد الهاشمي المعطاء يفرض علينا الاستمرار في التكافل والتعاضد خاصة في أوقات الحاجة والعوز. ولذلك نهيب بالأهل في الأردن أن لا ينسوا إخوانهم في غزة وفلسطين من تقديم لحوم الأضاحي إلى الهيئة الخيرية الهاشمية لتصل للأهل هناك، وأن يسارعوا في اغتنام هذه الأيام لتحقيق سد عوز الناس، والذين هم بأمس الحاجة إليها الآن.
قال صلى الله عليه وسلم : (من فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) أخرجه مسلم.
رئيس قسم أصول الدين في الجامعة الأردنية الدكتور علاء الدين محمد أحمد عدوي، قال:”إن للأضحية مكانة في الإسلام، حيث جاءت الأدلة في الحث عليها وتعظيم شأنها الذي يعكس معاني تقوى القلوب والإيمان، فهي من شعائر هذا الدين العظيم وسننه، وتحمل الكثير من المعاني النبيلة والقيم الراقية التي حث عليها الإسلام، ففيها الامتثال لأمر الله سبحانه واتباع سنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم”.
أستاذ علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية المشارك بجامعة البلقاء التطبيقية الدكتور يوسف الشرمان، قال إن الناظر للإنسان الأردني يجده يجسد العادات والأعراف العربية الأصيلة الحاتمية الجذور، ويشهد له بذلك كل إخواننا العرب الذين يتطلعون للأردن دوما على أنه بلد الضيافة والكرم،
وبين، أنه رغم شح موارده وحاجة أبنائه، يدرك المواطن الأردني بأن مراتب العطاء ثلاث وهي: السخاء: وهو أن يتبرع الإنسان بسخاء (بكثرة) من ماله – الكثير – الذي يملك، لكن هذا التبرع لا ينقص شيء يذكر على المتبرع؛ نظرا لكثرة ما يملك.
ومن ثم الجود: وهي أن يجود ويعطي الإنسان نصف أو أكثر ما عنده من المال، ويبقي لنفسه ما زاد على ذلك، وهناك الإيثار: وهو أن يؤثر غيره على نفسه، فيقدم كل ما يملك رغم حاجته لذلك ولا يبقي لنفسه شيئا ,,,, وهذه هي أعظم مراتب العطاء التي اعتادها الأردنيون تجاه إخوانهم العرب الذين مروا بأزمات تتطلب الوقوف إلى جانبهم ودعمهم ومساعدتهم بما تجود به الأنفس، بحسب الشرمان.
ويشير إلى أن الأردني يزداد تمسكا بهذه العادات الإنسانية السامية، عندما يرى أن أخاه يمر في ضيق أو أزمة تتطلب من الأردني أن يهب لمساعدته، لذا نجد بأن المواطن في الأردن فتح قلبه قبل بيته للمهاجرين العرب؛ بسبب ويلات الحروب وتداعياتها، وشاركه في ماله وعمله، هذه الجبلة التي جبل عليها الأردني منذ نعومة أظفاره، ولا يمكن له أن يتخلى عنها في شبابه أو حتى عند كبره، لأن هذه السلوكيات مكتسبة وتراكمية وهي جزء أساس من القواعد التي تحكم نشاطاته وتصرفاته.
وقال:”يقر علماء النفس الاجتماعي وعلماء نفس النمو بأن الطفل منذ يوم ولادته الأول يشعر بالاضطراب والتوتر عندما يسمع بكاء طفل آخر وكذلك يضحك لسماع ضحك طفل آخر، وعندما يبدأ قادرا على الوقوف وملاحظة ما يجري بجواره نجده يستخدم كل أساليب طفولته المعتادة لمساعدة طفل يبكي إلى جواره فهو يقوم بشد أيدي والدته وملابسها كي تسكت ذاك الطفل، وتحقق له ما يشاء ولا يطلب ذلك من أم الطفل، حتى لو كان طفلها بحضنها… نعم هذا ما تربى عليه الأردني الذي يعرف أن حاتم الطائي قدم فرسه لضيفه حين لم يجد ما يقدم غيرها”.
وأوضح، أنه في مثل هذه الأيام وهي حالات استثنائية: أعياد من جهة وأزمات وحروب على إخواننا في غزة من جهة ثانية، يعرف المواطن الأردني، أن أيام الأعياد، هي أيام فرح وتوسعة على الأهل والعيال وبالوقت نفسه يدرك وقع هذه الأيام على إخواننا في غزة حيث فقدوا كل مقومات الحياة وهم بأمس الحاجة إلى المساعدة، ولما كان عيد الأضحى (عيد النحر) من أهم شعائره بعد الحج هو ذبح الأضاحي وتوزيعها على الأهل والجيران والمحتاجين.
وتابع، أنه على الرغم من الحاجة التي يمر بها هذا المواطن، إلا أن تنشئته وجوده وسخاءه لا بل إيثاره يحتم عليه أن يبحث عن الهيئات والجمعيات الموثوقة التي تقوم بذبح الأضاحي عمن يوكلها بذلك في أي من البلاد الإسلامية الأخرى ذات الحاجة الأكثر ليوكلها بهذه المهام، ويعتبر المواطن الأردني أن الشعب الفلسطيني في غزة أو في الداخل الفلسطيني هم الشعب الأكثر إلحاحا وحاجة الآن وهم الأقرب روحيا وجغرافيا للشعب الأردني، فالبحر الذي يفصل بينهما ميت وهم شعب واحد ومصيرهم واحد فعزتهم وقوتهم من عزتنا وقوتهم من قوتنا، لذلك نجد الإقبال الشديد على الصناديق للهيئات والجمعيات الموثقة لتوكيلها من قبل الأردنيين بذبح الأضاحي وتوزيعها في غزة الأكثر حاجة، والمتفحص للموقف يجد أن الأردنيين دأبوا على هذا الفعل الخيري منذ سنوات طويلة، لكن هذا العام يشهد تدافعا واكتظاظا كبيرا جدا بأعداد المواطنين المقبلين على هذه الهيئات؛ نظرا للمأساة والوضع العسير الذي يمر به الأهل في غزة.
أستاذ التاريخ والحضارة العربية الإسلامية المساعد في جامعة اليرموك الدكتور مهند الجعدة يقول: تمثل الغطرسة التسلطية الوحشية للكيان اللانساني ورما سرطانيا ممتدا عبر الأزمنة التاريخية حيث طال كل الأديان، وتجاوز كل مفردات ومعاني البشرية، متسائلا أي أضحى وأي عيد والويلات تمر على مرأى ومسمع من عالم صامت ساكن، فالأمر فلسطين ومكوناتها وأطيافها التي تمثل جوهر الصراع الدائم في المنطقة العربية في ظل صمت دولي عن مغتصب محتل.
وأشار إلى أنه عند الحديث عن غزة، وفي ظل السعي لإيجاد حل سلمي عادل لهذا الصراع الممتد منذ عقود، فقد تركز الخطاب السياسي الأردني والعربي والإسلامي، على ضرورة أن تفضي أية عملية سياسية إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس، والاعتراف بحقوق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة والتعويض وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه ووطنه، وغير ذلك فإن الأمن والسلم الإقليمي والدولي سيتعرضان لمزيد من المخاطر والتحديات.
أما وعيد الأضحى المبارك قد جاء فأين طقوس الاحتفال بعيد غزة العزة فلا أسواق ولا أضاحي ولا بيوع ولا شراء بل تفاقم بالأسعار، وفقا للدعجة.
ولفت إلى أنه في هذا العام، تتجه الأنظار نحو غزة لتقديم الحصة الكبرى من الأضاحي للأهل هناك، في ظل الظروف المعيشية الصعبة للغاية، والحرب الشرسة المستمرة منذ أشهر طويلة، فغزة بحاجة لكثير من الدعم، ولعل أقله تقديم الأضاحي من خلال المؤسسات الرسمية والبرتوكولات المعمول بها نظاما.
وأوضح أن الأردن يعد من أبرز الجهات التي تعمل منذ سنوات على تقديم وتسهيل خدمة إيصال الأضاحي لأهلنا في فلسطين تآلفا للخير، مبينا أنها دعوة لاقتناص فرصة ذهبية تعبر عن عمق الروابط الأخوية الدائمة بين الشقيقتين في إيصال الأضاحي وبالطرق النظامية.