أخبار ع النار – بِقَلم : د.محمد يوسف أبو عمارة
الحِلوة دي قَامت تِعجِن في البَدريّة … و الديك بينَده كو كو كو كو فالفَجريّة
يللا بِنَا على باب الله يا صَنايعيّة … يِجعل صباحك صباح الخير يا اسطة عطيّة
تَسرِقُني كَلمات الأُغنية وتصنعي على درجة من درجات درج الكَلحة حَيثُ كُنتُ أُرافِق والِدي مُتَوَجّهاً إلى عَمَلِه في جَبَل اللويبدة …
– صَباح الخير أبو عَلي … يصَبحو أبو طلال ، ابو علي صاحب محل الحلويات والقطايف والذي أصبح معلَماً بل ويسمى الدرج باسمه أحياناً.
– صَباح الخير فايق … أهلاً أبا طلال
فائق البَرغوثي كان صَديق لوالدي لَديه مَنجَرة تتوسَّط درج الكَلحَة وبِجانِب مَحل أبو عَلي للقَطايف ..
ونُكمِل المَسير … مَحَل تَنجيد أبو زُهير الحاج عيد …
– صَباح الخير أبو زُهير … أهلاُ أبو طَلال … شَمستَك عالية اليوم
– آه والله أخرني أبو حميد … لأنه جاي معي اليوم … طبعاً أبو حميد هو أنا.
وتُكمِلُ فَيروز …
صَبح الصَّباح فتَّاح يا عَليم … و الجيب ما فيهش و لا مَليم
بس المَزاج رايق و سليم … باب الأمَل بابك يا رحيم
الصَّبر طيب عال … إيه غيّر الأحوال
يا اللي معاك المال … برضه الفقير له رب كريم
ونُكمِل المَسير … بِجانِب مَسجِد السَّعدي أبو نَبيل الحلواني وأبو خليل حيث يَحلو لِوالدي الوُقوف والحَديث المُطوَّل مَع أَصدِقاء عُمره … حَديث دافِئ .. عَن العَمَل .. والحارَة .. وأسعار الدّهانات والخَشَب والزَّبائن .. وأبو العبد النجار الذي يَنوي فَتح سوبر ماركِت على دُوَّار باريس وينوي تغيير مهنته.
وتُكمِل فَيروز
ايدي بايدك يا بو صلاح .. ما دام على الله تعيش مرتاح
خللي اتكالك عالفتاح … يلا بِنا مهو الوقت راح
الصَّبر طيب عال … إيه غيّر الأحوال
يا اللي معاك المال … برضه الفقير له رب كريم
لا أدري لِماذا لَم أَكُن أَشعُر بِتلكَ الفَترة أنَّ هُناك شَخص فَقير مَع أنَّ الجَميع وعلى حِساباتِنا هذه الأيّام كانَ تَحت خَطّ الفَقر!
رُبَّما القَناعة ؟! رُبَّما الرّضى ؟! رُبَّما الحُب والعَلاقات الطّاهِرة ؟!
كانَت تطبع الحياة بِطابِع مِن الجَمال رُغمَ بَساطَة الواقِع ..
فعلاً لم يكن هناك فقراء في عالمنا!
وأتذكر عبارة كان يرددها والدي: مسكين ، فقير ، لا يملك إلا المال!
الجَميع يَلبِسون لِباساً مُتَشبِهاً لَم يَكُن في عالَمِنا مَن يَتَباهى بالماركات أو غَلاء الأشياء .. الحِوار كانَ بَسيطاً حَولَ أي مَوضوع وحَسب ما يُقال في إذاعَة لَندَن أو مونتِكارلو حَيث كانَت الأكثَر استماعاً من والدي وأَصدِقائه ..
وأيّ حَديث لا يَخلو من ذِكر ( يافَا ) وفِلَسطين و ( شَجَر الجُمّيز) وذِكرَيات الهِجرة ..
الكُل يَسعى في مَناكِبِها .. طالِباً الرّزق الحَلال .. لا الثَّراء .. الكُل يَعمَل بِقوت يَومِه ..
وتُكمِل فَيروز ..
الشَّمس طِلعت والمُلك لله … اجري لرزقَك خلّيها عَلى الله
ما تشيل قدّومك … والعدّة ويلّا …
أُدَندِنُ في سِرّي ..
و الجيب ما فيهش و لا مَليم
بس المَزاج رايق و سليم … باب الأمَل بابك يا رحيم
الإيمان مُطلَق بأنَّ الرَّازِق هُوَ الله ( وأنَّ لَيسَ للإنسان إلّا ما سَعى ) .. المُتَكَبّر والذي يَغتَرُّ بِماله .. لا مَكانَ لَهُ في هذا العالَم النَّقي .. عالَم الكَدّ والجُهد .. والتَّعَب .. الرِزق الحَلال ..
الحِلوَة دي قامَت تِعجِن في البَدرِيَّة .. أتَذَكَّرُ رائحَة العَجين والخُبز الذي تَصنَعهُ أُمّي في الفُرن المَوجود خارِج المَنزِل حَيثُ تَملأ رائحة الخُبز المَكان وأحياناً ومِن باب الرّفاهية المُطلَقَة تَصنَع لَنا ” خُبز بِزَيت وزَعتَر ” وأحياناً وفي حال كانَ الوَضع المالي مُمتاز ووعال العال” خُبز وبَيض ” عِندما نَشعُر أنَّنا مِنَ الأثرياء .. لا بل من علية القوم!
تَسَرَّبت رائحة الخُبز إلى مَكتَبي .. راجعت دَرَج الكَلحة في مخيلتي والابتسامة بِعيون النَّجارين والعُمَّال في تِلكَ المَنطِقة التي ما زالَت تُحافِظ على طابِع عَمَّاني جَميل ..
ووجدتُ نَفسي أُدَندِنُ
و الجيب ما فيهش و لا مَليم … بس المَزاج رايق و سليم
باب الأمَل بابك يا رحيم …
لا أدري لِماذا شَعرتُ بِسعادَة بِهذه الكَلِمات وبِرائحة الخُبز الافتراضي التي عبقت بالمكان …
وتذكرت عبارة والدي : مسكين، فقير ، لا يملك إلا المال!