أخبار ع النار – كتب د. زكريا محمد الشيخ رئيس مجلس إدارة مجموعة “الحقيقة الدولية” الإعلامية مقالة تحدث فيها عن مضامين مقابلة سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله في مقابلته مع قناة “العربية” بقولة ليس أمرا صادما أو غريبا على “أمير” يتجذر من أسرة ملكية عريقة، تم الإستثمار في صقل شخصيته منذ نعومة أظافره وتهيئته لولاية العهد منذ عام 2009
د. الشيخ قال المقابلة وَضعت المشاهد وأسرته محليا وعربيا وإقليميا امام حديث عميق لـ”قائد فذ” واسع الدراية والخبرة، محنك وحاد الذكاء، وليس أمام مجرد “أمير شاب مرفه” عاش في ردهات القصور المترفه.
وتابع: فالأمير الحسين بن عبدالله الثاني تلقى علومه الأكاديمية والعسكرية والإنسانية في أعرق جامعات العالم، واستقى تجربته الحياتية من رحم معاناة مملكة شامخة، محدودة الموارد وشعب أصيل عايش تجارب إقليم ملتهب بالصراعات والتحديات
وفيما يلي نص ما كتبه د. الشيخ :
ليس أمرا صادما أو غريبا على “أمير” يتجذر من أسرة ملكية عريقة، تم الإستثمار في صقل شخصيته منذ نعومة أظافره وتهيئته لولاية العهد منذ عام 2009، أن يقدم نفسه في أول مقابلة تلفزيونية له بشكل ملفت للأنظار، ولكن ما حصل مع سمو الأمير الحسين بن عبدالله في مقابلته مع قناة “العربية” التي إستمرت في جزءها الأول قرابة 37,5 دقيقة، أبعد من ذلك بكثير، فقد وَضعت المشاهد وأسرته محليا وعربيا وإقليميا امام حديث عميق لـ”قائد فذ” واسع الدراية والخبرة، محنك وحاد الذكاء، وليس أمام مجرد “أمير شاب مرفه” عاش في ردهات القصور المترفه.
فالأمير الحسين بن عبدالله الثاني تلقى علومه الأكاديمية والعسكرية والإنسانية في أعرق جامعات العالم، واستقى تجربته الحياتية من رحم معاناة مملكة شامخة، محدودة الموارد وشعب أصيل عايش تجارب إقليم ملتهب بالصراعات والتحديات، وانخرط في صفوف المؤسسة العسكرية “صانعة الرجال” بمعظم تشكيلاتها، عداك أنه ترعرع في بيت خبرة ملوك هاشميين، عاصروا الأحداث وأثروا بها، فيكفيه شرفا أن جده الحسين الملك الباني رحمه الله ووالده الملك المعزز عبدالله الثاني، وحاضنته أردن الحشد والرباط بشعبها العروبي الوفي حامي المقدسات ورئة فلسطين النابضة.
لقد تمكن سمو الأمير خلال المقابلة التي جاءت بمناسبة اليوبيل الفضي لتولي جلالة الملك عبد الله الثاني مقاليد الحكم منذ السابع من شهر شباط عام 1999، من التعامل مع أدق القضايا حساسية بفهم عميق وحرفية وإيجاز وموضوعية، وبكلمات شمولية إختارها مرتجلا بدقة وبمهارة، معززة بالأرقام والإحصائيات، لخصت المشهد والموقف معا دون تكرار أو تردد، وأوصلت الرسائل والرؤى بوضوح منقطع النظير، وُضِعت جميعها في قالب القائد الواثق، وبلسان عربي مغعم شبابا وبلهجة أردنية أصيلة، متنقلا بين السياسي والأمني والإقتصادي والإجتماعي، والمحلي والإقليمي والدولي، بسلاسة مطلقه.
خاطب سموه في المقابلة كافة الفئات العمرية للشعب الأردني الذي وصفهم بـ “ملقاهم حلو” وتنقل مع الشباب المتحمس ذكورا وإناثا ملامسا إحتياجاتهم بلغة العصر التي يفهمونها، وتحدث إلى الخبراء بالأرقام والتحليل، وإلى المواطن المنهك إقتصاديا، بلغة سهلة بعيدة عن التكلف والنمطية والفوقية، تتماهى تلك اللغة مع همومه وتشخيصه لمعضلة الفقر والبطالة واضعا الحلول وخاصة في التدريب المهني لتوفير فرص عمل للشباب.
لخص سموه قدرة الأردن على تخطي التحديات خلال الـ 25 عاما المنصرمة بـ “ثلاثية ذهبية” وهي: شعب واع ، دولة متزنة بعيدة عن الإنفعال والمزاجية ذات مؤسسات قوية، وقيادة تفكر “لبعيد” بعمق، مشددا على أنه لا يوجد دولة خرجت بسلام من الأزمات المتتالية مثل الدولة الأردنية على الرغم من خسارتها مليارات الدولارات بسبب إنقطاع الغاز المصري وإغلاق الحدود مع سوريا، وضياع فرص إستثمارية كبيرة بسبب إنعدام الإستقرار، مرورا بالحروب والصراعات والربيع العربي ووصولا إلى كورونا وتبعاتها الإقتصادية.
وحينما سئل عن أحداث أيلول الأسود عام 1970، أجاب بنضوج ووعي، ملخص ذلك بجملة: “لا يمكن أن تكون الدولة أسيرة الماضي لنزاع بين النظام والفوضى”، توصيف دقيق وإجابة ذكية، وغيرها العديد من المواضيع الأخرى.
أما الجزء الثاني من المقابلة والتي قدمت الجانب الآخر من سموه وهو “الأمير الإنسان” والمتمثل بتقرير متقن مدته 15,5 دقيقة، استهل بإبراز إحدى قدرات سموه الفردية بقيادة طائرة هيلكوبتر عسكرية تجول فيها مع الإعلامي اللبناني طاهر بركة، صاحب الإثنان وأربعون عاما، على مناطق سياحية أردنية أبرزها عجلون، قائلا: “ما في أحلى من الأردن” ليلقي الضوء على مراكز الجذب السياحي والتي إعتبرها بـ “الكنوز” واصـفا إياها أنها “نفط المستقبل”.
وتطرق التقرير الى حياة سموه الشخصية وعلاقاته مع الشعب، وعلاقة الأردن مع السعودية بعد زواجه من الأميره رجوة قائلا بطريقة لطيفة تعكس شخصيته الدمثة: “لا تنسى إنك بتحكي عن نسايبي” بعد أن أشاد بعمق العلاقات مع السعودية وإعجابه برؤية سمو الأمير محمد بن سلمان آل السعود الإقتصادية، وحديثه عن الإستعداد لمولوده الجديد وكيف ستتغير حياته، وحتى تطرق إلى هواياته الخاصة مثل كرة القدم والبكسنج وكرة السلة، إلا أنه لم يكشف عن فريقه المفضل، مقدما مركزه السياسي على ميوله الرياضي، معطيا بذلك رسالة مفادها: “الامير للجميع”.
وبعث سموه في هذا الجزء من المقابلة رسالة تفاؤل مشوبه بالقلق على مستقبل الأردن والإقليم، قائلا: “الأردن صامد وسيبقى صامدا وأنه يرى الخير والأمل بعيون الناس، مضيفا: “أنا متفاءل وعندي إيمان أن الأردن رح يكون في مكان أفضل” إلا أنه إستدرك بالقول: “أنه قلق ولكنه لن يجعل القلق يسيطر عليه، وإذا الإنسان ما بقلق معناته أنه مش شايف المشاكل إلي حواليه”، وحول مستقبل الأردن قال: “أنا مقتنع أن الجيل الجديد قادر ان يبني على الذي إنبنى، وما عندنا خيار غير ان نكون منفتحين للتغيير، ولدينا المهرات والعقول لذلك”.
وتغنى سموه بالأمن والأمان في الأردن حينما أشار إلى أن السائح يشعر في الأردن بالأمان وأننا يجب أن نخطو عشر خطوات أخرى لوضع الأردن على خريطة السياحة في العالم التي يستحقها، قائلا: ” الي بنقدر نوصله أكبر بكثير من إلي أحنا فيه اليوم”.
وتحدث سموه عن موضوع “الثقة” مشيرا إلى أنها تأتي بالتدرج وليست ممنوحه للأبد وتبنى بالمواقف وليس بالكلام، قائلا: ” طبيعتي أنني لا أثق بكل الناس على طول، أثق بالأشخاص الذين تعرفت على كفاءتهم وفهمهم للملفات وإذا إلي بحكوه منطقي”، مستهجنا محاولة البعض تمرير معلومات معينة غير دقيقة له، لتحقيق أغراض خاصة لهم، فقال: “في ناس بحاولوا يُوصّلوا لي معلومات معينة لأن عندهم هدف معين بدهم مني شيء، ولكن الواحد لازم يظل واعي وفاهم الشخصيات الي بتعامل معهم”، مؤكدا على أنه على قدر كبير من المسؤولية، ويأخذ موقعه بجدية، لأن قرار أي مسؤول يؤثر على كثير من الناس، وأن علاقته مع الناس وثيقة ولا يضع أي حواجز بينه وبين المواطنين الذين يلتقي بالألوف منهم سنويا، وأنه إذا وجد أحد المواطنين مترددا في حديثه فإنه يشجعه على الحديث والصراحة.
ونفى سموه أن يكون هناك فجوة بين القصر والناس، الذي وصفه أنه مركز صنع القرار وأن الموظفين فيه هم من أهل البلد، مؤكدا أن منظومة القصر تتطور وأن الكفاءات فيه تتغير سعيا للموظف الأكفء.
ولم ينسى سموه التطرق إلى منزله الداخلي وكيف أنه تربى في أجواء أسرية دافئة ذاكرا كيف تحرص الملكة رانيا العبدالله كأم على متابعته والعناية به وكيف يقوم جلالة الملك والده على مشاركته تفاصيل حياته المختلفة على الرغم من إنشغالاته المتعددة.
وختم سموه المقابلة برسالة سياسية من الحجم الثقيل إتجاه فلسطين وما يجري فيها من مجازر منتقدا الساسة الصهاينة، دون أن يسميهم، وبطريقة دبلوماسية تعكس حنكته السياسية قائلا: “هناك سياسيون يتحكموا بمصير دول ويفتقدوا الى أدنى معايير الأخلاق، بإنتهازية وتلون وإنتهاك لحقوق الناس، وبدون أي محاسبة حقيقية”.
المقابلة زادتنا ثقة وأمل كأبناء شعب أردني واحد بأن مملكتنا بقيادة العائلة الهاشمية الكريمة ممتدة من مليكها إلى كل مواطن فيها مرورا بولي عهدها الأمين، هي مملكة بأيد أمينة ومستقبل مزهر بإذن الله.