“وإنه لمناسبة ذكرى استقلال بلادنا الأردنية وإعلانها دولة مستقلة استقلالاً تاماً على الأساس الملكي النيابي، يسرنا أن نبادل شعبنا العزيز شعور الغبطة وأن نعرب عن شكرنا لجهاده المثمر واغتباطنا بوفائه وولائه، وأن نبعث بتحياتنا وأحسن تمنياتنا للبلاد العربية الشقيقة ولأصحاب الجلالة والفخامة وملوكها العظام ورؤسائها الفخام، سائلين المولى عزَّ وجل سلاماً عاماً للبشر يحققه صلح عادل عاجل تقره الدول الكبرى على الوجه الذي ينتزع الغل من الصدور، ويدفع شعور الثارات التي قد تجر العالم إلى كوارث أخرى متوجهين إلى الله العلي القدير بأن يسدد خطانا جميعاً ويحقق لهذه الإنسانية المعذبة ما فيه الهدى والرضى والسعادة والسلام”
من أقوال جلالة الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين
“يا جنودنا ويا أبناءنا أنتم سياج وطنكم، ويوم الاستقلال هذا هو الفجر اللامع من بريق سلاحكم وإني لمغتبط بما شهدت من حسن نظامكم وتدريبكم وأرجو أن تكون العاقبة لكم ما دمتم المثل الذي يحتذى بالتضحية باسم الأمة العربية وفي البسالة والطاعة وأداء الواجب كان الله معكم وأعزكم وأعزَّ الوطن بكم”.
من أقوال جلالة الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين
وتزامناً مع احتفالات الوطن بمناسبة اليوبيل الفضي لتسلم جلالة الملك سلطاته الدستورية يحتفل أبناء الوطن ومعهم النشامى في القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، بيوم الاستقلال البهي الذي يحمل كل معاني الإجلال والتقدير لجهود جلالته الكبيرة في إرساء دعائم النهضة الأردنية الحديثة على أسس راسخة ومتينة، يتطّلع الأردنيون إلى المستقبل، مستبشرين لما تحقق عبر مسيرة الهاشميين الذين جعلوا من الأردن وطناً للأحرار وواحة أمن وأمان، لنعيش أمجاده وذكرياته.
إنّ استقلال مملكتنا مرحلة من أهمّ المراحلِ التاريخية، فهو بداية الاعتراف بالأردن كدولةٍ لها سيادتها وسياستها ونُظمها الخاصّة بها، وكدولةٍ تملكُ قرارها، وتعرفُ كيفَ تديرُ شؤونها، وترتقي بأبناءِ شعبها، ولم يكنْ الاستقلال ليتحقق لولا أنْ اللّه تعالى حبا الأردنَّ بقيادة هاشميّة حكيمة، مُلتفّة حولَ الشّعبِ، ولديها نظرةٌ ثاقبةٌ للحاضرِ والمستقبلِ المُنْتظرِ، فقدْ رسّخَ الملوك الهواشمُ عبرَ التاريخِ الممتدِّ لنشوءِ الدّولةِ قاعدةً عميقةَ الارتباطِ معَ جميعِ دولِ العالمِ؛ حتّى أصبَحَ الأردنّ معروفًا على الصّعيدينِ الدّاخليّ والخارجيّ، مشهودًا له في كلّ المحافلِ الدوليّةِ.
ومع بداية المرحلة الجديدة من الاستقلال وضع الملك عبداللّه الأول _ طيّبَ اللّه ثراهُ، الدولة والشعب نُصب عينيه، ساعياً إلى الارتقاء بالدولة وتطورها ووضعها على خارطة العالم بعد أن بذل جهوداً مضنيةً في سبيل تأسيس إمارة شرق الأردن عام (1921م)، وتعد نقطة تحول هامة في تاريخ الأردن، وبعد خمسة وعشرين عاماً من الكفاح الطويل تحقق حلم الاستقلال وتحولت إمارة شرق الأردن إلى المملكة الأردنية الهاشمية ذات السيادة والقانون والهيكلية السياسية المحددة بالأنظمة واللوائح الضابطة.
وعلى نهج الهواشم يسير جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة الأردنية الملك عبدالله الثاني المعظم حفظه الله ورعاه، في إكمال مسيرة الاستقلال ويواصل بناءه وسط إنجازات كبيرة مشهودة ومسارات واضحة وطموحات جاده وأفكار نيرة متزنة، نحو العُلا والعطاء، والتميز وتحقيق الآمال والتطلعات وبناء الإنسان الأردني وتمكينه، ليكون دائماً في الطليعة عنواناً ورمزاً للإبداع، فالوطن اليوم وهو يحتفل بذكرى استقلاله 78 في عهد مليكنا المفدى، يعيش حالة من التماسك والتناغم والمحبة ما بين القيادة والشعب في ظل أجواءٍ من الطمأنينة على ما وصل إليه من تقدم وتطور وازدهار وأمن واستقرار.
وفي يوم الاستقلال لا بدَّ لنا أن نقدر ما يقوم به الجيش العربي في سبيل الحفاظ على الأمن والاستقرار، وأن نستذكر الإنجازات المثالية التي حققها نشامى جيشنا الأبطال منذ تأسيس نواة الجيش العربي، فأثبتت قواتنا المسلحة الباسلة أنها درع الوطن والعين الساهرة على أمن الوطن وكرامته، مستعينين بالإيمان والولاء والقوة التي تصنع الاستقرار والسلام، وهي التي اكتسبت تقدير العالم وإعجابه في كل المهام والواجبات العسكرية التي شاركت بها قواتنا المسلحة مع الجيوش الشقيقة والصديقة، وما تميزت به من أخلاق سامية وكفاءة عالية في كل الظروف.
سيبقى نشامى القوات المسلحة “الجُند الأوفياء” المخلصين للوطن والقيادة الهاشمية المظفرة، وقد أُسس الجيش العربي، منذ مئة عام على مبدأ النهضة وحمل أهدافها وغاياتها، وكان منذ نشأته الأولى حريصاً على المساهمة الفعالة في بناء الدولة الأردنية وتعزيز قدرتها الذاتية، حيث شارك في بناء مؤسسات الدولة في مجالات التعليم والصحة وتعزيز آفاق التعاون والعلاقات الاجتماعية وبناء قدرات الإنسان وتأهيله وبناء الشخصية الوطنية الأردنية التي تنامت قدراتها ومعارفها مع تطور الأردن، لتميز هذا الانسان بقدراته وعطاءه وولائه وإخلاصه للوطن وأمته.
لقد كان الاهتمام بالقوات المسلحة وتأهيلها وتدريبها وتوفير سبل تعزيز قدراتها من أولويات القيادة الهاشمية منذ عهد الملك المؤسس حتى آلت راية هذا الوطن إلى المُعزز جلالة القائد الأعلى الملك عبدالله الثاني المعظم الذي بدوره أولى جُلَّ اهتمامه بالقوات المسلحة.
الجيش العربي، هو سياج الوطن وحامي الحمى، عربي الهوى، كان وما زال جيشا للعرب جميعاً، فاستمدت الثورة العربية الكبرى مبادئها وقيمها من الدين الحنيف وهنا نتطرق إلى تسميه الجيش العربي بهذا الاسم.
كان الجيش مع بداية تأسيس الدولة الأردنية يتشكل من القوة السّيارة (نواة الجيش الأردني) وقوة الأمن العام، وتسمية الجيش العربي موجودة في الأصل منذ الثورة العربية الكبرى، فكان الشريف الحسين بن علي (قائد الجيوش العربية التي كانت ثلاثة جيوش) وقد استخدم القائد العثماني غالب باشا مصطلح الجيش العربي حين كان محاصراً في الطائف عندما خاطب الأمير عبدالله بن الحسين الذي كان قائداً للجيش الشرقي في الثورة ببرقية وردت في المراسلات التاريخية التي أثبتها سليمان الموسى في المجلد الأول – المراسلات التاريخية ص 101 ونص البرقية يقول :
“إلى قائد الجيوش العربية الشرقية الشريف عبدالله بن الحسين: أنه بالرغم من كثرة العتاد والذخيرة رأيت لزوم حقن الدماء ولذلك أرجو قبول هيئة لنتذاكر معكم في معاملة التسلم والتسليم وفق حقوق الحرب الدولية أو تتكرموا بإرسال هيئة منكم “.
وورد مصطلح الجيش العربي في جريدة القبلة في العدد 485 تاريخ 19 أيار 1921 حين نشرت النص التالي:
“وصل قسم من الجيش العربي إلى المعسكر في معان وقد استعرضهم الأمير وأعجبته تربيتهم العسكرية، ودعا ضباطهم فأثنى عليهم وشاركهم عنايتهم بتدريب الجند وتمرينه على الأعمال العسكرية ومنح بعضهم رتباً فوق رتبهم مكافأة على ما شهده “.
يعود ميلاد الجيش العربي إلى 1 نيسان 1923م، وكان الأردن يتهيأ لإعلانه دولة مستقلة، فكان القرار بمنحها الاستقلال باسم حكومة الشرق العربي في 25 أيار 1923م، ليكون في هذا اليوم اعتماد اسم الحكومة واسم الجيش العربي بشكل رسمي.
وكان أول تنظيم للجيش العربي قد صدر في تشرين الأول من عام 1923 وقد حمل اسم القائد العام للجيش العربي، ومن ثم قائد الجيش العربي، ووكيل قائد الجيش العربي، وأركان حرب الجيش العربي.
وشمل التنظيم ثلاث سرايا، مشاة وثلاث سرايا خيالة وسرية رشاشات وبطارية مدفعية جبلية وسرية مختلطة فيها فئة جوقة، وفئة إشارة، وفئة خدمات، وتبع أركان حرب الجيش العربي مقاطعات عمّان والكرك ومأدبا والسلط وجرش وعجلون، إضافة إلى قوة هجانة، وفي عام 1925م تقرر تشكيل قوة جديدة عرفت باسم قوة حدود شرق الأردن ومن ثم صدر لها قانون خاص تسمى ” قانون قوة حدود شرق الأردن رقم 11 لسنة 1926م”.
وصدر أول قانون للجيش العربي الأردني في الثاني من شباط 1927م، ليصبح اسم الجيش العربي قانونياً واعتمد أول تنظيم للجيش العربي باستخدام مصطلح القائد العام للجيش العربي، وكانت أول إرادة سنية أميرية بإطلاق اسم الجيش العربي الأردني هي بمصادقة سمو الأمير عبدالله بن الحسين أمير شرق الأردن على قرار مجلس الوزراء رقم 440 الصادر بتاريخ 17 أيار 1944م، وكانت المصادقة بتاريخ 29 أيار 1944م، وتالياً نص القرار كما نشر فيما بعد في الجريدة الرسمية في الصفحة 796 تاريخ 17 حزيران 1944م:
“بمناسبة استخدام الجيش العربي هذه الآونة في الأقطار العربية المجاورة، وذيوع سمعته وأعماله الطيبة لدى الأمم المتحدة والحليفة وغيرها، وتمييزاً له عن جيوش الأقطار العربية الأخرى قرر مجلس الوزراء على أن يطلق عليه اسم الجيش العربي الأردني”.
ورفع الجيش العربي لأول مرة العلم بأرضيته الحمراء الداكنة “علم الأشراف الهاشميين وعلم الثورة العربية الكبرى الأول ” وفي الزاوية اليسرى العليا العلم الأردني بنصف الارتفاع وفي الزاوية اليمنى السفلى السيفين المتقاطعين بينهما التاج الهاشمي، وسيبقى هذا الجيش، جيش العرب والعروبة الذائد عن القيم والمبادئ والمُتحلي بأخلاق الإسلام والعروبة.
وفي الختام نترحم على بُناة وحماة الاستقلال، ونشد أزر المخلصين للعمل على تقديم كل الإمكانات واستثمار الجهود لنقطف ثمار الاستقلال وإنجازاته، وسيبقى الجيش العربي الأقرب إلى نبض الوطن والقائد ويقدم في سبيل أمن الوطن واستقراره وكرامة أهله وقوافل الشهداء الذين تزينت أرواحهم ودمائهم سماء وأرض الوطن عبر التاريخ الحافل بالمجد والحرية.
أدام الله على وطننا الغالي نعمة الأمن والأمان ودوام التقدم والازدهار في ظل القيادة الهاشمية الحكيمة، وكل عام والوطن وقائده وشعبه بألف خير.