لا تزال قضية “عصابة اغتصاب الأطفال” التي أعلنت الأجهزة الأمنية اللبنانية إلقاء القبض عليها قبل يومين، تتصدر اهتمامات الرأي العام اللبناني، بعدما أثارت صدمة اجتماعية عارمة في أسلوبها وتفاصيلها وما تكشف حول أعداد المتورطين فيها وهوياتهم، بعدما تبين أن من بينهم شخصيات مشهورة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولاسيما على تطبيق “تيك توك”.
وتجري التحقيقات في جرائم هذه العصابة بالموازاة مع حملة ملاحقة وبحث عن متورطين أفضت إلى توقيف شخص سابع، الخميس، وفق ما أكدت تقارير إعلامية محلية، بالإضافة إلى الأفراد الستة الذين سبق وأعلنت قوى الأمن اللبناني عن توقيفهم في بيان لها في الأول من مايو.
وتحقق السلطات اللبنانية في شبهات قيام هذه العصابة، التي تضم نحو 30 متورطاً، باستدراج أطفال وقاصرين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتقديم مغريات لهم بهدف تخديرهم واغتصابهم ومن ثم ابتزازهم بعد تصويرهم.
وكانت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي في لبنان قد أعلنت أن اعتقال العصابة جاء بعد “ادعاء عدد من القاصرين” بتعرضهم “لاعتداءات جنسية، وتصوير، من قبل أفراد إحدى العصابات المنظمة، بالإضافة إلى إجبارهم على تعاطي المخدرات، في فنادق عدة”.
وأضاف البيان أن السلطات تمكنت من اعتقال أفراد العصابة بعد عملية “جمع معلومات استمرت لحوالي الشهر تقريبا”.
وأشار البيان إلى توقيف ستة أشخاص في بيروت وجبل لبنان والشمال، بينهم ذائعي الصيت على تطبيق تيك توك”، مشيرا إلى أن أفراد العصابة يحملون جنسيات لبنانية وسورية وتركية، من بينهم ثلاثة قُصَّر.
وكشف مصدر قضائي لوكالة فرانس برس أنه “جرى حتى الآن التعرّف على 28 شخصاً على الأقل من أفراد العصابة المتعددة الرؤوس، والتي جنّدت مراهقين محترفين من خارج لبنان لاستدراج الأطفال عبر تيك توك”.
وأضاف أن الضحايا “تعرضوا للاغتصاب بعد تخديرهم بمواد وضعت في مشروبات قُدّمت لهم، وأُجبروا على تعاطي المخدرات ثم الترويج لها تحت طائل ابتزازهم بمقاطع مصورة”.
وأوضح مصدر أمني مواكب للتحقيقات للوكالة أن “ست ضحايا أدلوا بإفاداتهم حتى الآن ولا تتجاوز أعمارهم 16 عاماً”.
وأشار إلى أنه “جرى استدراجهم بطرق عدة على غرار عروض هدايا من محل للملابس وإيهامهم بتصوير دعايات أو عبر صالون مصفّف شعر أو حسابات مزيّفة على مواقع التواصل الاجتماعي”.
وبحسب المصدر الأمني، فقد أقدم المتورطون بعد استدراج الأطفال “على اغتصابهم وتصوير عملية الاغتصاب ومن ثم جعلهم يشاهدون المقاطع المصورة، وابتزازهم بنشرها في حال تحدّثوا عمّا تعرّضوا له”.
وتكمن خطورة الملف، وفق ما نقلت الوكالة عن المصدر الأمني، في كون “حوادث الاغتصاب والتحرّش التي تطال قاصرين ليست حوادث فردية بل عمل منظم ضمن أفراد عصابة يقدمون تسهيلات لبعضهم البعض ويتبادلون الضحايا”.
ولا تزال القضية تثير ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان، حيث تتصدر الوسوم المرتبطة بها أكثر المواضيع تداولاً في البلاد، وانتشرت في سياق ذلك سيناريوهات عدة وروايات مختلفة للجرائم المنسوبة للعصابة، فضلاً عن أسماء كثيرة قيل إنهم متورطون في تلك العصابة، تبين صحة بعضها، وزيف العديد منها، حيث تحول زج الأسماء إلى تصفية حسابات شخصية بين “مشاهير” على مواقع التواصل الاجتماعي.
الوكيل القانوني لأحد أبرز الموقوفين في القضية، أكد أن التحقيق لا يزال سرياًّ وكل التسريبات الجارية حوله “غير دقيقة”.
المحامي الذي فضل عدم الكشف عن اسمه لكونه لم يدخل بعد على ملف موكله، أكد أنه لا يمكن بعد لأحد أن يطلع على مضمون التحقيقات تحت طائلة الملاحقة الجزائية بحكم وجود إشارة من النيابة العامة تمنع أحد الدخول على الملف أو معرفة تفاصيله بمن فيهم المحامين، وبالتالي حتماً لم تطلع الوسائل الإعلامية التي تتناقل الروايات على التفاصيل والمعطيات الحقيقية.
ولفت إلى أنه حتى الآن لم يحضر الاستجواب والتحقيق مع موكله، الذي يوجب حضور محامي معه بحكم المادة 47 من أصول المحاكمات، مشدداً على أن موكله لا يزال محتجزاً وليس موقوفاً، معتبراً أن كل الأشخاص الذين يقومون بالتشهير ونشر الأخبار والروايات “ليسوا على دراية بشيء”.
الأولوية لحماية الضحايا
وأثارت السرية التي تحيط بالتحقيقات وعدم صدور رواية رسمية كاملة حول القضية استياء لدى بعض اللبنانيين الذين عبروا عن مخاوف من تدخلات سياسية أو محسوبيات في القضية، وحملوا هذا الغموض الرسمي مسؤولية انتشار الروايات المغلوطة وفوضى التسريبات والمعلومات المتضاربة، مطالبين السلطات اللبنانية باعتماد الشفافية في عرض القضية.
في المقابل شدد آخرون على أهمية السرية في التحقيقات الجارية لضمان عدم إفلات المتورطين مع هذه العصابة، والحرص على خصوصية الضحايا وحمايتهم من التشهير، خاصة وأنهم أطفال ومراهقون.
وفي هذا السياق تقول رئيسة الاتحاد لحماية الأحداث، أميرة سكر، إن أهم ما يجب الحفاظ عليه هو السرية التامة في تفاصيل القضية، وعدم إفشاء أسماء أو أعمار أو جنسيات أو طائفة أي قاصر من ضحايا هذه العصابة، “فالطفل هو طفل أولا وأخيرا”، وعدم نشر حيثيات الملف لما قد يحمله من تأثير على الضحايا من جهة، وقد يؤدي من جهة أخرى إلى أخذ الحذر والحيطة من قبل المرتكبين في حال كانوا عصابة.
وتركز سكر أنه على الأهل في هذه المرحلة وبعد هذه الواقعة، اعتماد إجراءات وقائية مع أولادهم، واتباع أسس “الوالدية الإيجابية”، ومراقبة كافة حسابات الطفل على الإنترنت.
وتشدد سكر على ضرورة التعاطف مع القاصرين، إن كانوا ضحايا أو حتى من بين المرتكبين، “حيث أنهم أساسا تم استدراجهم واستغلالهم كي يرتكبوا مخالفات أو يشاركوا في هكذا أعمال فيها استغلال للقاصرين الآخرين”.
من جهتها نشرت منظمة “سميكس” المعنية بالحقوق والسلامة الرقمية توجيهات مرتبطة بهذا النوع من القضايا التي تمس بسلامة المستخدمين، لاسيما القصّر. حيث لفتت، سمر حلال، مسؤولة منصة السلامة الرقمية في “سمكس” إلى أن نصائح السلامة الرقمية مهمّة وضرورية، “ويوجد على تطبيق تيك توك عدداً من الميزات لتعزيز سلامة المستخدمين القاصرين مثل ميزة الخصوصية، والإشراف العائلي وغيرها”، ومع ذلك تؤكّد أنّ “هذا لا يكفي لحماية الأشخاص القاصرين من هذا النوع من الابتزاز”.
وأدى انتشار اسم أحد مشاهير “تيك توك” كعضو في العصابة، إلى توقيف حسابه وحجبه من قبل شركة “تيك توك” بعد موجة تبليغات طالته. ولكن، بحسب “سميكس”، لا يزال بإمكان الأجهزة الأمنية وجهات إنفاذ القانون أن يطلبوا الوصول إلى محتوى الحساب المحجوب والرسائل المتبادلة من قبل المتهم مع الآخرين على التطبيق، في مدة 90 يوماً بناءً على طلب رسمي، وفق ما تقوله الشركة في “إرشادات تيك توك بشأن إنفاذ القانون”.
وبالإضافة إلى المسؤولية الواقعة على عاتق المرتكبين في القضية، تضيف حلال أنّ “المسؤولية تقع أيضاً على الدولة وأجهزتها، وعلى تطبيق تيك توك، وأيضاً على الأهل”.
وتتابع: “الأهل ينبغي أن يكونوا واعين لما يحصل مع أولادهم ويؤمّنوا ملاذاً آمناً للأولاد كي يستطيعوا التحدث معهم عن التعرض لحالات مشابهة، أمّا الأجهزة الأمنية فينبغي أن تعزّز الثقة لدى المواطنين إذ تقع عليها مسؤولية كبيرة ولديها القدرة على توقيف هؤلاء”.
أما بالنسبة لتطبيق تيك توك فترى حلال أن المسؤولية عليه كبيرة، وتضيف أنه “يجب على الشركة المالكة للتطبيق أن تؤمّن حماية للأشخاص القصر والذين يشكلون أكثرية مستخدمي تطبيقها”.
وذكّرت المنظمة أن تطبيق “تيك توك” يقدم في “دليل أولياء الأمور”، بعض الخطوات التي تمكّن الأهل من مراقبة حسابات أبنائهم، لا سيما إذا كانوا تحت سن 13 عاماً، وذلك عن طريق ربط حسابات العائلة مع بعضها البعض “لتمكين واستخدام مجموعة متنوعة من إعدادات المحتوى والخصوصية والرفاهية” على حسابات الأولاد.
ويمكن عن طريق هذا الربط أن يضيف الأهل بعض خصائص الحماية لحسابات أولادهم على التطبيق، مثل جعل الحساب خاصّاً، والحد من التعليقات على مقاطع الفيديو، والاطّلاع على الرسائل المباشرة، والبحث، وتحديد مدة الاستخدام اليومية، وصولاً إلى تقييد الحساب.