قرار أعقبه قرار مضاد، في شهر واحد، أقدمت عليهما الكويت بحق العمالة المصرية، بعد أن كشفت صحيفة “الجريدة” الكويتية، الأربعاء 24 أبريل/نيسان 2024، عن قرار رسمي يتضمن وقف إصدار تصاريح عمل للعمالة المصرية، وقالت الصحيفة إن مصادر مطلعة في وزارة الداخلية والهيئة العامة للقوى العاملة، بالكويت أخبرتها أن تعليمات عليا صدرت بوقف إصدار تصاريح عمل للعمالة المصرية، وكشفت أن سبب ذلك هو من أجل وضع ضوابط جديدة لمنح هذه التأشيرات.
القرار بوقف التأشيرات جاء بعد ثلاثة أسابيع فقط من قرار آخر في الأول من أبريل/نيسان 2024، حسبما نقلت صحيفة “الجريدة” الكويتية، تضمَّن قيام السلطات الكويتية بفتح تصاريح العمل بالقطاع الأهلي للمصريين بعد 16 شهراً من الوقف، وأوضحت “الجريدة” أن قرار إعادة التاشيرات جاء عقب مرور 16 شهراً على قرار وزير الداخلية الكويتي السابق، طلال الخالد، القاضي بوقف إصدار تصاريح العمل للعمالة المصرية الجديدة.
تفاصيل القرار الجديد بوقف تأشيرات المصريين
القرار الجديد الذي يقضي بوقف تأشيرات المصريين، كشفت المصادر لـ”الجريدة” الكويتية أن من أبرز أسبابه هو الشكاوى التي تلقتها الهيئة من أصحاب العمل الذين أكدوا أن بعض الجهات المصرية المعنية تجبرهم على دفع تأمين على كل عامل لمصلحة شركة تأمين غير كويتية. وأوضحت أن “القوى العاملة” و”الداخلية” في الكويت بصدد وضع ضوابط جديدة ومشددة على عمليات استقدام العمالة المصرية، على أن تكون الأولوية لإصدار التصاريح لحملة الشهادات العليا والتخصصات المطلوبة لسوق العمل الكويتي.
كان قرار الموافقة على تأشيرات المصريين في الأول من أبريل/نيسان اشترط للموافقة على منح التصريح “ضرورة إجراء الفحص الطبي للعامل قبل قدومه إلى البلاد باستخدام الرقم القومي المصري، ومن خلال الأوراق الرسمية الخاصة بالفحص، لقطع الطريق أمام أي محاولات للتلاعب بالنتائج في حال كانت إيجابية ولا تؤهل صاحبها للحصول على التصريح ودخول البلاد”. وأن هيئتا “القوى العاملة” و”شؤون الإقامة” بدأتا منذ شهر استقبال طلبات تصاريح العمل للعمالة المصرية وفقاً للمادة 17 من قانون الإقامة للعمل بالقطاع الحكومي.
حمدي إمام، رئيس شعبة إلحاق العمالة بالخارج بالغرفة التجارية المصرية، قال في تصريحات ، إن القرار الكويتي الخاص بوقف التأشيرات للعمالة المصرية، يرجع سببه في المقام الأول، إلى تجار التأشيرات المصريين الذين تسببوا في أزمة داخل سوق العمل الكويتية، بعد قيامهم ببيع عقود عمل مزورة لمواطنين مصريين في الفترة السابقة؛ ما تسبب في أزمة داخل سوق العمل الكويتي.
على الجانب الآخر، قال إن قرار الكويت باشتراط حصول المواطن المصري على شهادة عليا من أجل السماح له بالحصول على التأشيرة الكويتية، سوف يضر بسوق العمل في الكويت، لأنه، حسبما قال، فالسوق الكويتي في حالة إلى العمالة المهنية أكثر من حاجة السوق إلى العمالة الحاصلة على الشهادات العليا.
أزمات تلاحق العمالة المصرية في الكويت
العمالة المصرية في الكويت كثيراً ما يثار حولها أزمات، سواء فيما يتعلق بالتأشيرات أو ما يتعلق بمساعي الكويت لاستبدال العمالة الأجنبية بالعمالة المحلية، وقد سبق في أغسطس/آب 2022 جدل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما أطلق مغردون كويتيون حملة إلكترونية تطالب بوقف إصدار تأشيرات الدخول للوافدين المصريين، وتصدر وسم #وقف_فيز_المصريين قائمة المواضيع الأكثر انتشاراً عبر تويتر في البلاد، وفق ما نشرت شبكة “بي بي سي”.
جاءت الحملة ساعتها بعد أيام من إعلان بلدية الكويت، في ذلك الوقت، خطة جديدة لـ”تكويت الوظائف”، أعقبها بيان من وزارة القوى العاملة المصرية، حول أبعاد التأثير المحتمل للخطة على العاملين المصريين في الكويت.
البداية كانت إعلاناً صدر ساعتها من وزيرة البلدية ووزيرة الدولة لشؤون الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، عن خطة “تكويت وتمكين الكوادر الوطنية في بلدية الكويت”. ووضعت الوزيرة جدولاً زمنياً لتنفيذ الخطة، في الفترة بين الأول من سبتمبر/أيلول والأول من يوليو/تموز 2023، يضم ثلاث مراحل، وتشمل كل منها إنهاء خدمات 33% من غير الكويتيين العاملين بالبلدية، وفق ما نشرت شبكة “بي بي سي”.
لكن قرار الوزيرة استثنى الفئات الخمس التالية: الموظف غير الكويتي لأم كويتية، والموظفين من أبناء دول مجلس التعاون الخليجي، والموظفين غير محددي الجنسية المقيمين بصفة دائمة بدولة الكويت بشرط تسجيلهم لدى الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، وموظفي الخدمات (سائق وخدمات مناولة) و50% من موظفي إدارة الجنائز العاملين في المقابر وفق ما نشرت شبكة “بي بي سي”.
وفور انتشار الخبر وتفاصيل الخطة، سارع كثير من مستخدمي مواقع التواصل الكويتيين للإعراب عن ترحيبهم وتأييدهم لها، إذ رأوا فيها خطوة في الاتجاه الصحيح، في ظل الأوضاع الاقتصادية ومعدلات البطالة التي تشهدها بلادهم بينما أعرب كثير من الوافدين والمقيمين، الذين يعملون في الكويت منذ سنوات وبينهم آلاف المصريين، عن خشيتهم من تداعيات محتملة للخطة على حياتهم، وفق ما نشرت شبكة “بي بي سي”.
بيان من وزارة القوى العاملة المصرية
في غضون ذلك، قامت وزارة القوى العاملة المصرية بإصدار بيان توضيحي “نفت فيه ما يتردد بشأن الاستغناء عن العمالة المصرية في الكويت”. وأكد وزير القوى العاملة المصري ساعتها في البيان “حرص الوزارة على المتابعة المستمرة لأوضاع المصريين العاملين بالخارج، وأنه يتابع ما يتردد من شائعات وأرقام مغلوطة حول العمالة المصرية في الكويت”، وفق ما نشرت شبكة “بي بي سي”.
وأشار إلى أنه “تلقى تقريراً من رئيس مكتب تمثيل العمال بدولة الكويت، أحمد إبراهيم، يوضح صدور قرارات مماثلة سابقة عن وزارة الدولة للشؤون البلدية بالكويت في عامي 2017 و2020، بشأن تكويت العديد من الوظائف في بعض الجهات الحكومية”. ونبه الوزير المصري إلى “أن ما يتردد عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن ترحيل عدد كبير من العمالة المصرية لا يمت للواقع بصلة، وأن هذا القرار سيؤثر على الوافدين للعمل بوزارة الدولة للشؤون البلدية وما يتبعها من إدارات فقط لا غير”. وأضاف شحاتة أن “البيانات الرسمية الواردة في التقرير تفيد بأن عدد العاملين المصريين بالقطاع الحكومي بدولة الكويت لا يتخطى 31 ألفاً، وأن العاملين منهم بوزارة الدولة لشئون البلدية وإداراتها لا يتعدى الألف، ولن يتأثر جميعهم بالسلب، وإنما سيتأثر فقط من يعمل منهم في الوظائف الإدارية التي سيتم “تكويتها” وفقاً للقرار”.
أشار الوزير إلى أن “التعاون مستمر بين وزارة القوى العاملة والجهات المعنية في دولة الكويت الشقيقة فيما يخص حقوق العمالة المصرية هناك، وأن الوزارة سوف تتدخل لحماية أي عامل مصري في حال فقدانه لوظيفته للحصول على كافة مستحقاته بالطرق القانونية”، وأوضح أن “الكثير من المصريين العاملين ممن سبق إنهاء خدماتهم بقرارات التكويت السابقة تمت إعادة تعيينهم على عقود الاستعانة بجهات كويتية أخرى”.
وختم بيان وزارة القوى العاملة بمناشدة “جميع وسائل الإعلام عدم الانسياق وراء الشائعات وتحري الدقة في نقل المعلومات”، وبالتشديد على أن “ما نشر في بعض المواقع حول حجم العمالة المصرية في الكويت غير صحيح، وأن عدد العمالة المصرية بالكويت حوالي 456 ألفاً و515 عاملاً لن يتأثروا بهذا القرار”، وفق ما نشرت شبكة “بي بي سي”.
تعديلات جديدة
كذلك وفي ديسمبر/كانون الأول 2022 وبعد مرور نحو 4 سنوات من إبرامها، وجَّه النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الكويتي وزير الداخلية رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للقوى العاملة في ذلك الوقت، الشيخ طلال الخالد، باتخاذ إجراءات لإيقاف العمل بمذكرة التفاهم بين الكويت ومصر بشأن ربط أنظمة القوى العاملة إلكترونياً، وفق ما نشرت صحيفة “القبس” الكويتية.
حيث أكد النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للقوى العاملة الشيخ طلال الخالد، في قراره “عدم الحاجة للربط الآلي مع أي جهة خارجية، ومن ضمنها مذكرة التفاهم المشار إليها”، التي تلزم المادة الثالثة منها الطرف الأول وتمثله الحكومة المصرية، بإنشاء خدمة إلكترونية خاصة بتبادل المعلومات مع الكويت، بناء على المتطلبات المتفق عليها، تتضمن بيانات الباحثين عن عمل من جانب الطرف الأول، والراغبين في العمل في الكويت، مع بيانات السيرة الذاتية للعامل وفقاً للمهن والعدد المطلوب من الطرف الثاني (الكويت).
وسمحت المذكرة بأن يتم وفقاً للترشيحات الإلكترونية لفرص العمل المتوافرة والمعروضة من قِبل صاحب العمل الراغب في استخدام عمالة من الطرف الأول، الاطلاع على البيانات المتوافرة، على أن تكون عمالة قادرة على أداء المهن المطلوبة ولديها الخبرة المناسبة للعمل، إلى ذلك، كانت التنبيهات التي قدمتها الكويت لمصر بشأن تجاوزات وكالات التوظيف للقوانين الدولية والأنظمة المعمول بها في الكويت، بشأن توفير الحماية للعمالة ومنحها كامل حقوقها وتوظيفها في أعمال حقيقية، كانت السبب الرئيسي في قرار وقف العمل بالاتفاقية بين البلدين.
كما قالت صحيفة “القبس” إن السفارة الكويتية لدى مصر سبق أن وضعت 8 اشتراطات لإصدار تأشيرة العمل للعمالة المصرية القادمة للكويت، منها: رسم بقيمة 100 دولار كأصل لقسيمة إيداع نقدي، وأصل الكشف الطبي الساري المفعول والصادر من خلال التسجيل على المنصة الخليجية الموحدة لفحص العمالة الراغبة في السفر إلى دول المجلس، والمعتمدة من مراكز طبية معينة، بالإضافة إلى صحيفة جنائية نظيفة صادرة بتاريخ لاحق لإصدار التأشيرة وكذلك سمة دخول سارية ومطابقة للجواز وتصديقات عقد العمل من الجهات المختصة في البلدين وأصل شهادة المعامل المركزية، مع مراعاة أن يكون عقد العمل مؤرخاً ومصدراً من “الخارجية” بتاريخ لاحق لإصداره ورسوم جديدة لـ”الالتحاق بعائل”.
كانت أزمة قد تفجرت حول العمالة المصرية في الكويت كذلك في عام 2020 حين أطلق مغردون كويتيون وسم #طرد_المصريين_من_الكويت، والذي طالبوا فيه بإبدال العمالة المصرية بجنسية أخرى، خاصة من أبناء البلد وقد تعالت أصوات برلمانيين وسياسيين كويتيين منذ فترة مطالبين الحكومتين الكويتية والمصرية بإنهاء أزمة العمالة المصرية غير القانونية العالقة في مراكز إيواء العمالة بالكويت، بعدما نظموا مظاهرات من أجل العودة إلى وطنهم.
واستمرت الأزمة لأكثر من شهرين، بعدما تأخرت القاهرة في استقبال العالقين، حتى قررت الحكومة الكويتية التدخل وتحمل تكاليف وتذاكر السفر، وأعلن في وقتها السفير المصري في الكويت، طارق القوني، أن الحكومة ستنظم رحلات لإجلاء مخالفي الإقامة القانونية من الجالية المصرية، بعدما قدمت اعتذاراً عن أعمال الشغب التي اندلعت بأحد معسكرات الإيواء، وفق ما نشر موقع قناة الحرة.
النائب المصري عمرو درويش في البرلمان المصري، وكذلك النائب خالد بدوي تحفظا على الحديث حول القضية، وتعلَّلا بعدم اطلاعهما على فحوى قرار وزارة الداخلية الكويتية.
في حين قال الخبير الاقتصادي المصري الدكتور وليد جاب الله، في تصريحات، إن على وزارة القوى العاملة المصرية إن تجري نقاشاً جاداً مع السلطات الكويتية من أجل معالجة أي خلل يتعلق بقوانين العمالة المصرية في الكويت، وأن يكون الحوار بين الطرفين متضمناً كافة النقاط الخاصة بالعمالة المصرية، وكيفية تذليل أي عقبات لدخول العمالة المصرية إلى السوق الكويتي بشكل كبير.
أشار كذلك في تصريحاته إلى أن السوق الكويتي في حاجة إلى الأيدي العاملة المصرية التي تتمتع بسمعة احترافية كبيرة، وقد أثبتت العمالة المصرية الكفاءة في سوق العمل الكويتي، مشدداً على أن قرار وقف التأشيرات للمصريين سيضر بالسوق الكويتي قبل أن يضر بالعمالة المصرية.
حجم العمالة المصرية في الكويت
جدير بالذكر أنه قد سبق أن قالت السفيرة سها الجندى، وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، إن عدد المصريين العاملين بالخارج يتجاوز ١٤ مليون شخص، منهم نسبة كبيرة من رجال الأعمال المصريين يشتغلون في مجالات الطاقة والتصدير والاستيراد والصيدلة، وتعد الكويت سوقاً رئيسية للعمالة المصرية.
وقد سبق أن قال عضو مجلس النواب المصري حمدي سعد، في تصريحات صحفية في أبريل/نيسان 2024، إن عدد العمالة المصرية في الكويت “يصل في الوقت الراهن إلى نحو 700 ألف مصري”.
في حين أظهرت إحصائية سوق العمل الصادرة عن الإدارة المركزية للإحصاء الكويتية، في عام 2022، أن العمالة المصرية احتلت المرتبة الأولى في سوق العمل بالكويت، وبحسب الإحصائية التي أعدتها الإدارة المركزية للإحصاء في الكويت، فإن عدد العمالة المصرية ارتقت للمرة الأولى في سوق العمل بالكويت إلى المرتبة الأولى بنهاية سبتمبر/أيلول 2021، متفوقة على العمالتين الهندية والكويتية، ووصل عدد العمال المصريين في الكويت إلى 456.6 ألف عامل وعاملة، بنسبة 24% من كل العاملين في البلاد، البالغ عددهم نحو 1.9 مليون عامل وعاملة في كل قطاعات سوق العمل، باستثناء القطاع العائلي.