بعدما تعرف علي البكار، ذاك الشاب المقبل على الزواج، على أهل بيت الفتاة التي أراد خطبتها قبل أشهر، اقترح عليهم أمرا لعلهم يقبلون به، لم يشاور نفسه كثيرا لكنه تشجع وقال ما لديه.
الشاب البكار الذي طلب يد عروسه من ولي أمرها كان لا بد له أن يقدم مهرا لعروسه، امتثالا لأمر الشرع الحنيف والعادات والتقاليد، وبطبيعة الحال.. ليس هناك أفضل من الذهب ليقدمه مهرا.
لكن المشكلة لدى الشاب الثلاثيني كانت أن “المال الذي يملكه لم يكن يكفي لشراء كمية “تبيض الوجه” أمام أنسبائه لمنحه لخطيبته مهرا، أو بالأحرى أن الدنانير التي جمعها “بعرق جبينه” تراجعت قيمتها أمام الذهب بنسبة غير مسبوقة، فوجد نفسه في ورطة.
تشجع البكار، وعرض على أهل خطيبته أن يكتب “شيكا بنكيا” لخطيبته لتقوم هي بشراء مستحقاتها من المهر من الذهب حين تتراجع أسعاره خلال الفترة المقبلة، فلم يكن من أهل خطيبته إلا أن قبلوا بطرحه الذي وجدوه منطقيا، فالأمر ليس بيدهم ولا بيد العريس، فكما يقال “الأسعار ترتفع على الجميع”.
الذهب و”تلبيسة” العروس، من التقاليد التي تواجه اليوم تحديات اقتصادية متزايدة بالنسبة للمقبلين على الزواج، خصوصا مع الارتفاعات غير المسبوقة في أسعار الذهب. إذ يعتبر جزءا لا يتجزأ من إطلالة العروس في يوم زفافها، لكنه يفرض تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة في الوقت الحالي.
ومثل حال علي، حال أنور محمد الذي أجل شراء مهر زوجته من الذهب على أمل أن تتراجع أسعاره إلى معدلات مقبولة.
ويقول محمد كان من المفترض أن يحجز موعد زواجه في شهر حزيران (يونيو) المقبل لكنه قرر وخطيبته ان يتم تأجيل موعد زفافهم الى شهر آب (أغسطس) المقبل.
حاليا يبلغ سعر بيع غرام الذهب من عيار 21 يبلغ مستويات غير مسبوقة عند 47.4 دينار وعيار 24 يبلغ 55 دينارا وعيار 18 يبلغ نحو 42.3 دينار فيما سعر الليرة الإنجليزي التي تزن 8 غرامات نحو 380 دينارا، والليرة الرشادي التي تزن 7 غرامات نحو 333 دينارا. وانعكست هذه الحالة من الأسعار غير المسبوقة، على تجار الذهب عموما وعلى صالات الأفراح كذلك، إذ يقول رئيس جمعية أصحاب صالات الأفراح مأمون المناصير إن “بعض المقبلين على الزواج اضطروا لإلغاء أو تأجيل أفراحهم ما أدى إلى تراجع حجوزات صالات الأفراح في الأردن”.
وفي هذا الصدد، قال نقيب أصحاب محلات تجارة وصياغة الحلي والمجوهرات ربحي علان “لا ننصح بتأجيل عملية شراء الذهب نظرا لغياب معرفة إلى أين ستصل أموره، ارتفاعا أم انخفاضا”.
وبين علان أن الإقبال على شراء الذهب خلال الفترة الحالية والماضية كان ضعيفا جراء ارتفاع أسعاره بشكل ملحوظ وتسجيله لأرقام غير مسبوقة.
وأشار علان إلى أن الذهب مادة رئيسية بكل مناسبات الزواج بمختلف مناطق المملكة وسيشهد موسم الصيف المقبل إقبالا ملحوظا على الذهب نظرا لتأجيل الكثير لحفلاتهم جراء استمرار العدوان الصهيوني على غزة وكافة الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في هذا السياق، تؤكد الشابة العشرينية هالة محمود، عند سؤالها إن كانت تقبل الزواج بدون ذهب، تجيب: “ككل فتاة، أحلم بزفاف متكامل، لكن لدي إخوة في سن الزواج وأرى معاناتهم من ارتفاع أسعار الذهب والتكاليف العامة للزواج. لذا، إذا تزوجت في هذه الفترة، سأكتفي بشراء ذبلة فقط، وبالنسبة للمهر المطلوب للذهب، سأضعه في حساب خاص أو أستثمره في شراء ليرات ذهب لحفظ حقوقي، مع الحرص على عدم المبالغة في المطالب من قبل عائلتي”.
في المقابل، لا يهم بعض المقبلين على الزواج أمر ارتفاع أسعار الذهب كثيرا، فقد “طلقوه” – بحسبهم – منذ أن أصبحت أسعاره مرتفعة منذ زمن، وصاروا يلجأون لشراء “الذهب الروسي – الذهب المقلد” بدلا من الذهب الحقيقي، فهو يلمع لمعان الذهب لكن معدنه ليس أصيلا.
لكن الأمر لا يقتصر على أسعار الذهب، حيث يشرح أحمد علي، الشاب الثلاثيني كيف كان يخطط للزواج، وكيف أن ارتفاع أسعار الذهب جعله يؤجل الفكرة تماما. ويوضح أن كل تفاصيل الزواج اليوم، بدءا من الإيجارات المرتفعة، مرورا بأثاث البيوت ومهور الذهب، وصولا إلى الألبسة وغيرها من المصاريف، تجعل الفكرة مستبعدة. كما أن الضغوط تزيد بسبب التوقعات الاجتماعية والمقارنات بالآخرين، كما في حالات الحفلات التي تطلبها الفتاة وأهلها، مما يجعل الزواج أمرا بعيد المنال وصعب التحقيق.
أبو خالد، الذي لديه ثلاث بنات، يعتقد أن تيسير الأمور على الشباب في الزواج يجلب البركة ويسهل الحياة، مشيرا إلى أنه لا يطلب مهرا مقدما سوى ليرة ذهب واحدة، ومؤخرا لا يتجاوز الخمسة آلاف. ويشدد على أهمية معرفة أخلاق وصفات الزوج المحتمل لإحدى بناته قبل الموافقة على الزواج.
اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين خزاعي، يؤكد أن تقليد تزيين العروس بالذهب يحتل مكانة اجتماعية مهمة في العديد من الثقافات، إذ يُعتبر رمزا للجمال واحترام التقاليد العريقة. ومع ذلك، يرى أن هناك فرصة لإعادة النظر في هذه التقاليد بما يتوافق مع الظروف الاقتصادية للعائلات الحديثة، مما يعكس التطورات الاجتماعية والاقتصادية المستجدة.
يؤكد خزاعي أهمية توعية المجتمعات بضرورة إيجاد التوازن بين الحفاظ على التقاليد وتقليل التكاليف المالية المرتبطة بها. ويقترح النظر في استخدام بدائل أقل تكلفة أو التشجيع على تبني ممارسات أقل تكلفة، مما يخفف العبء الاقتصادي عن العائلات ويضمن تجربة زفاف تبقى ذكرى جميلة دون الحاجة للإسراف.
من جهته، يشير الخبير الاقتصادي حسام عايش إلى أن الارتفاع الكبير في الأسعار، وخصوصا أسعار الذهب، يبدد حلم الزواج لدى العديد من الشباب. وينبه إلى أن التكلفة العالية للمعيشة لا تؤثر فقط على الراغبين في تأسيس عائلة، بل تعمق أيضا المشكلات المالية للأسر التي تعاني بالفعل من ضغوط اقتصادية، ما يؤدي إلى تفاقم الصعوبات اليومية وزيادة التحديات الاجتماعية.
يوضح حسام عايش أن هناك إستراتيجيات اجتماعية واقتصادية يمكن تطبيقها للتخفيف من الضغوط المالية المرتبطة بالزواج في ظل الارتفاع المستمر لأسعار الذهب.
يقترح عايش ضرورة تبني سلوكات مالية واعية، وتحديد أولوياتهم الاقتصادية وترشيد الإنفاق، بالإضافة إلى اللجوء لخيارات بديلة للذهب كالفضة أو الأحجار الكريمة الاصطناعية. كما يؤكد أهمية وضع خطة مالية مدروسة تشمل تحديد ميزانية معينة للمهور والذهب، والتوفير بناء عليها، مما يسهم في تسهيل عملية الزواج دون تحمل أعباء مالية غير مبررة.
يشدد عايش على أن جوهر الزواج يكمن في الشراكة والتفاهم المتبادل بين الطرفين، مؤكدا أنه بالإمكان تجاوز التحديات المتعلقة بضغوط الزواج من خلال التخطيط السليم والتواصل الفعال، ليس فقط بين الزوجين ولكن أيضا بين العائلتين، معتبرا أن نجاح الزواج يعود بالنفع على كلا العائلتين.
ويتفق خزاعي مع رأي عايش بأن الاتفاق المسبق حول الأمور المالية المتعلقة بالزواج يمكن أن يخفف من التوترات ويضمن الشفافية بين الطرفين. فعلى سبيل المثال، يمكن شراء ليرات ذهبية تضمن حق الزوجة وتبقى معها، أو وضع مبلغ مالي باسمها يمكن استثماره في شراء سيارة أو استخدامه في التقليل من الالتزامات. هذه الحلول لا توفر الأمان المالي للزوجة فحسب، بل تدعم أيضاً كرم الرجل وتساهم في توفير حياة أكثر يسراً لكلا الطرفين.
ووفق عايش من الأهمية بمكان، الادخار والتخطيط المالي الاستباقي قبل الزواج، داعيا إلى البحث عن جمعيات ومنظمات تقدم دعما ماليا للأزواج الشباب بطرق تخفف الأعباء الاقتصادية الكبيرة. ويؤكد أن هذا لا يقع على عاتق العائلات والشباب وحدهم، بل يتطلب تدخلا حكوميا منظما وتعاونا لجميع القطاعات.
ويختم أن الزواج لا ينبغي أن يقتصر على الجوانب المادية فحسب، بل يجب أن يبنى على أساس الحب، الاحترام، والتفاهم المتبادل الذي يعزز الرابط بين الطرفين.