ينتظر آلاف السودانيين في مصر فتح سفارتهم في القاهرة لباب العودة الطوعية إلى بلادهم رغم استمرار الحرب التي دخلت عامها الثاني، بسبب عدم قدرتهم على التأقلم مع الأوضاع في مصر وصعوبة حصولهم على فرص عمل تساعدهم على الاستمرار.
ويُعاني السودانيون في مصر من تأثيرات الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها على مؤشرات التضخم التي تضاعفت خلال الأشهر الماضية، إلى جانب صعوبات الحصول على إقامة واستخراج ما يسمى “الكارت الأصفر” الذي يمنح إقامة لجوء.
وأمام زيادة مطالب العودة لمواطنين ليس لديهم تكاليف الرحلة من القاهرة إلى الولايات السودانية الشمالية، أعلنت السفارة السودانية في القاهرة عن مشروع العودة الطوعية تستهدف تقديم تسهيلات بتنسيق مع منظومة الصناعات الدفاعية التابعة للجيش السوداني.
الرغبة في العودة الطوعية
وكشف مطلع بالسفارة السودانية في مصر أنهم تلقوا آلاف الطلبات من سودانيين يرغبون في العودة الطوعية لبلادهم، بسبب صعوبة تقنين وضعيتهم، وتشديد الحملات الأمنية ضد من يقيمون بشكل غير قانوني.
وأضاف المصدر نفسه أن السفارة تنسق مع عدد من الشركات المصرية والعربية الخاصة في مجال النقل لتسيير الرحلات التي تنطلق من المحافظات المختلفة وتصل إلى داخل الحدود السودانية ومنها الانتقال إلى الولايات المختلفة.
وأشار المصدر ذاته إلى أن عدداً من رجال الأعمال السودانيين في القاهرة يساهمون في تمويل رحلات العودة التي تكلف تقريباً 5 آلاف جنيه مصري للفرد، وأن السفارة مهمتها التنسيق مع الجهات الأمنية المصرية ونظيرتها السوداني لضمان سلامة العائدين.
وأشار المصدر ذاته إلى أن الرحلات سوف تتركز بالأساس على توصيل المواطنين الراغبين في العودة إلى الولايات السودانية الهادئة نسبياً مثل الولاية الشمالية والنيل الأزرق.
وشدد المصدر على أن السفارة تلقت شكاوى عديدة من مواطنين فروا هاربين من الحرب لكنهم فشلوا في سداد إيجاراتهم السكنية في مصر وأضحوا مضطرين للإقامة عند مواطنين آخرين لحين عودتهم مرة أخرى.
وأشار إلى أن غالبية الأسر التي غادرت العاصمة الخرطوم وعدداً من الولايات القريبة منها عند بداية الحرب لم يكن في مخيلتها أن الحرب سوف تستمر كل هذه المدة، ولم يكن لديهم ما يكفيهم للإقامة بشكل كامل في مصر.
وحسب المصدر نفسه، فإن الراغبين في العودة إلى السودان يريدون الاطمئنان على مساكنهم وجلب ما يمتلكونه من مدخرات أخرى، أو التعرف على طبيعة الأوضاع على الأرض وقياس مدى قدرتهم على البقاء هناك أم لا.
وكشف عن أن السفارة السودانية سوف تطلق خلال الأيام المقبلة منصة للخدمات الإلكترونية التي يمكن أن تقدمها للسودانيين في مصر، بينها تسهيل مهمة العودة الطوعية، إلى جانب تسهيل إجراءات الإقامات والتي تعرف على احتياجات المواطنين ممن يواجهون مشكلات اقتصادية أو أمنية.
وستُسهل السفارة مهمة استخراج الجوازات، مشيراً إلى أن وجود ما يقرب من نصف مليون سوداني وصلوا إلى مصر عقب اندلاع الحرب فاقم الضغوطات التي تتعرض لها السفارة، وهو ما ساهم في دخول جهات مجتمعية سودانية أخرى تساهم في تقديم الخدمات للسودانيين.
وحسب “لوموند” الفرنسية يتعرض السودانيون في مصر لحملات تشهير حسب “لوموند”، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو على التلفزيون الرسمي، فأصبحوا كبش فداء للأزمة الاقتصادية التي تعرفها مصر.
وفي شهر مارس/آذار 2024 تم طرد 33 عائلة سودانية وأخرجت من منازل تكتريها في مدينة السادس من أكتوبر غرب القاهرة؛ بحجة عدم دفع الإيجار، وهذه العملية تمت بالليل حسب جريدة “لوموند”.
تقول إحدى الشهادات التي استقتها الجريدة الفرنسية إن مجموعة من العائلات السودانية تعيش في شوارع القاهرة، والتي أصبح يعتبرها السودانيون تفعل أي شيء من أجل أن تدفعهم للعودة إلى بلادهم رغم استمرار الحرب.
وتسببت الحرب في نزوح أكثر من مليون ونصف سوادني خارج البلاد، حسب تقدير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فيما نزح أكثر من سبعة ملايين آخرين إلى ولايات سودانية آمنة نسبياً، ويتوقع سعيهم لمغادرة البلاد إذا ما طال القتال ملاجئهم الجديدة.
وبحسب مفوضية اللاجئين فإن عدد اللاجئين السودانيين المسجلين لدى المفوضية في مصر حتى الآن 300 ألف شخص، في حين أن إجمالي عدد اللاجئين في مصر تجاوز الـ570 ألف.
المعيشة في مصر ليست أفضل شيء
وحسب ما استقته “لوموند” من شهادات فإن الطريق بين القاهرة والخرطوم خطيرة ووعرة، ويتم استعمال سيارة رباعية الدفع كوسيلة للنقل غالباً ما تتجاوز حمولتها، الأمر الذي أدى إلى اختفاء عدد كبير من اللاجئين في الطريق.
وأشارت انتصار صديق، وهي أم لثلاثة أبناء فرت بعد اندلاع الحرب بأسبوعين إلى القاهرة إلى أنها تبحث عن سبيل للعودة إلى بلادها رغم أن الحرب ما زالت مستمرة في السودان.
وقالت المتحدثة : “حينما هربت من النيران التي كانت قريبة من بيتي في أم درمان كان لدي يقين بأنني سأعود في غضون فترة قصيرة، ومع ذلك فإنني وضعت في اعتباري احتمالات للبقاء في القاهرة لعام أو أكثر لحين استقرار الأوضاع بشكل نهائي”.
وأضافت: “الحرب لم تنتهِ بعد، وما تمكنت من الوصول به إلى القاهرة لم يكفِني سوى خمسة أشهر، لأنني تعرضت للسرقة على يد مليشيات الدعم السريع أثناء محاولة هروبي إلى خارج أم درمان”.
وأوضحت أنها تمكنت من جلب ما تبقى من مدخرات لها في السودان مع إحدى صديقاتها التي جاءت إلى القاهرة في سبتمبر/أيلول 2023 ، لكن تلك المدخرات قاربت على النفاد وليس لدي معرفة بما يمكن أن يكون عليه الحال في حال انتهت أموالي ولم أتمكن من دفع الإيجار.
مشيرة إلى أن رمضان هذا العام مر عليها بمرارة كبيرة؛ لأنها لم تتمكن من شراء مستلزماتها بشكل يتماشى مع الاستعداد إليه في الأعوام الماضية، وكنا نخشى من صرف الأموال حتى لا تنفذ والآن يبدو أن العودة أصبحت حتمية.
وتضيف: “ليس لدي مشكلات في الإقامة وأقيم في حي عين شمس بشكل قانوني، لكني اضطررت لأن ألحق أبنائي في إحدي المدارس المجتمعية التي تعمل على تذكيرهم بما كانوا يتعلمونه في السودان قبل الحرب”.
وقالت والآن سيكون عليّ إلحاقهم بمدارس مصرية وهي بحاجة إلى مصروفات لن أتحملها، كما أن تكاليف الحياة في مصر شديدة الصعوبة ولم أكن أتخيل أنني سأنفق كل هذه الأموال التي ذهبت إلى الإيجارات المرتفعة للغاية.
وأشارت إلى أن “أسعار غالبية الخدمات المقدمة في مصر مرتفعة، ولم أتمكن من العمل لأن أبنائي تتراوح أعمارهم ما بين ثلاث سنوات وحتى ثماني سنوات وزوجي توفي قبل اندلاع الحرب بخمسة أشهر فقط”.
توضح صديق أنها تواصلت مع أحد مسؤولي الباصات التي تتولى نقل السودانيين من القاهرة إلى داخل الحدود السودانية، لكنها اصطدمت بصعوبة الرحلة التي قد تصل إلى أسبوع تقريباً، وذلك في حال تحرك الباص من القاهرة دون تأخير.
وحسب المتحدثة، فإن الأغلب ينتظر اكتمال العدد لمدة يومين أو ثلاثة ثم يقوم بالاتصال بالركاب لإبلاغهم بموعد المغادرة، وتكون مهمته توصيل السودانيين إلى طريق حلفا الحدودي في أسوان ومن ثم البحث عن أتوبيس آخر يذهب إلى المنطقة التي أريد الذهاب إليها داخل السودان.
وأشارت إلى أن الرحلة للفرد الواحد تتكلف مبلغاً يتراوح ما بين 6 آلاف جنيه مصري إلى 10 آلاف جنيه مصري، أي تقريباً ما بين 150 ألف جنيه إلى 200 ألف جنيه سوداني، وهو مبلغ ضخم لأنني سوف أضطر لدفع أربع تذاكر إلى جانب تكلفة البقاء في أسوان لمدة يومين أو أكثر لحين اكتمال باصات يمكن أن تصل بنا إلى إحدى الولايات الشمالية.
“يمكن أن أبقى في القاهرة شهرين أو أكثر إضافيين لحين انتظام عمليات الهجرة الطوعية من القاهرة إلى السودان التي أعلنت عنها السفارة السودانية مؤخراً” بحسب ما تؤكد انتصار صديق.
وشددت على أن العودة إلى بلادها ليست رفاهية، لكنها محاولة للنجاة مرة أخرى من الموت، لكن هذه المرة من الموت جوعاً إذا انتهت أموالنا في مصر، وهناك يمكن الاعتماد على الأهل والأصدقاء أو التكايا التي تنتشر في العديد من المناطق وتوفر الغذاء بشكل مجاني.
وفي 7 فبراير/شباط 2024 ناشدت الأمم المتحدة للحصول على 4.1 مليار دولار لتقديم مساعدات عاجلة للمدنيين المتضررين من النزاع، بمن فيهم أولئك الذين فروا وسط ارتفاع التضخم في مصر.
وكافح العديد من السودانيين للعثور على سكن إيجاره معقول، واستغل السماسرة حالهم؛ مما جعلهم يعيشون في شقق مكتظة، وتقوم الجالية السودانية في مصر، بتوفير الدعم للوافدين الجدد، وكانت التقديرات تشير إلى ما يقرب من 4 ملايين قبل الحرب.
تقول المحامية السودانية شيماء تاج الدين لـ”لوموند” الفرنسية إن “الحصول على بطاقة إقامة اللاجئين السودانيين في مصر يكون مليئاً بالعقبات ويأخذ وقتاً طويلاً للحصول عليه”.
وأضافت المحامية السودانية أن “البطاقة صالحة لمدة 6 شهر، ولا يتوصل بها السودانيون إلا بعد 4 أشهر من تقديم الطلب، أي يبقى لديهم شهران فقط من الإقامة القانونية”.
وبعد اندلاع الحرب في السودان، وبالضبط بتاريخ يونيو/حزيران 2023 علقت مصر اتفاقية “الحريات الأربع” الموقعة سنة 2004 مع الخرطوم، والتي تهدف إلى تسهيل حركة تنقل الأشخاص بين البلدين التي تجمع بينهما حدود طولها 1300 كيلومتر.
وفي نفس التاريخ أنهت السلطات في القاهرة أيضاً الإعفاء من التأشيرة الذي كان يستفيد منه النساء السودانيات والأطفال أقل من 16 سنة، بالإضافة إلى المسنين الذين تجاوز عمرهم 50 سنة.
وفرضت مصر بعد أربعة أشهر فقط من اندلاع الحرب في السودان إجراءات معقدة جداً للحصول على بطاقة الإقامة للاجئين، منها دفع ضريبة 1000 دولار توضع في البنك المصري.
وكشف (ع. الفاضل) وهو رب أسرة سودانية مكونة من خمسة أفراد جاء إلى القاهرة عبر مسارات التهريب أنه مطالب الآن بتقنين أوضاعهم من جانب السلطات المصرية، وسيضطر لدفع 1000 دولار عن كل شخص بأسرته لمدة عام لحين تقنين أوضاعهم.
وقال المتحدث إن المبلغ ضخم للغاية؛ لأنه بحاجة لدفع كل عام مبلغ 5000 آلاف دولار؛ وبالتالي ليس أمامه الآن سوى مفوضية اللاجئين لإنقاذ أسرته، إلا أن الوصول للتسجيل بمفوضية اللاجئين في القاهرة يبقى حلماً صعب التحقق.
وبحسب الفاضل، “فإن إجراءات التسجيل طويلة للغاية، وبدأت من شهرين تقريباً الاتصال بالمفوضية للحصول على موعد التسجيل، ورغم أن محاولات الاتصال استغرقت ما يقرب من شهر حتى رد علي شخص من داخل المفوضية قام بإبلاغي بتسجيل الطلب ووعد بمعاودة الاتصال خلال فترة تتراوح ما بين ثلاثة إلى أربعة أشهر لتحديد موعد المقابلة، وإلى الآن لم يتصل أحد”.
وأوضح أن بعض الأشخاص الذين يعملون بشكل منفصل عن المفوضية ويسمون بالسماسرة طلبوا مني 1000 جنيه مصري عن كل شخص سيتم تسجيله مقابل تسريع موعد المقابلة لكنني رفضت.
وقال المتحدث إن هذا المبلغ ليس أيضاً من السهل توفيره في ظل متطلبات الحياة الصعبة في القاهرة، لافتاً إلى أنه اضطر للعمل كمحاسب لدى أحد أصحاب محال الأجهزة الكهربائية لكي ينفق على أسرته، رغم أنه كان يمتلك محلاً للأدوات الكهربائية في السودان قبل اندلاع الحرب.
وأشار إلى أن أسرته بحاجة إلى مبلغ لا يقل عن 10 آلاف جنيه مصري شهرياً للأكل والشرب ومثلها لإيجار الشقة التي يسكن بها بمنطقة فيصل في محافظة الجيزة.
وقال إن أمواله التي جاء بها من السودان قاربت على النفاد، وأن الكارت الأصفر الذي يوفر قدراً من الدعم ويخلص من مشكلة الإقامة يمكن أن يدفعه للبقاء في مصر، وفي حال لم يتمكن من استخراجه فإن العودة الطوعية ستكون أمراً واقعاً في تلك الحالة.
وأشار إلى إلى أنه يحصل على راتب لا يتجاوز 4000 جنيه مصري، وأنه يقبل بهذا المبلغ لمساعدة أسرته من جانب وقرب المحل الذي يعمل به من منزله، إذ إنه لا يتحرك بعيداً عن منزله خشية مطالبة الأجهزة الأمنية بأوراق الإقامة التي لا يمتلكها.
ويحصل اللاجئون السودانيون على “الكارت الأبيض” أولاً من المفوضية، وهو فقط وثيقة تحمي حاملها من الترحيل أو الاعتقال من قبل السلطات المصرية بسبب عدم امتلاكه وثائق إقامة قانونية إلى أن تتم دراسة حالته تمهيداً لمنحه “الكارت الأصفر”.
ويعتبر الكارت الأصفر حامله “طالباً للجوء رسمياً” وله الحق في الحصول على دعم منظمات المجتمع المدني المانحة المهتمة بشؤون اللاجئين في مصر مثل “كاريتاس” و”بستك” و”سان أندروز” وغيرها، من مقدمي الدعم المادي والقانوني والنفسي.
وحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فإن مفوضية اللاجئين تعمل مع السلطات المصرية وشركائها المحليين لمساعدة الوافدين الجدد من السودان، لكنها لم تتمكن من تلبية سوى 31% فقط من احتياجاتها التمويلية الإجمالية حتى الآن، وهو ما يجعل الفجوة بين الاحتياجات والمساعدات المتاحة تتسع بشكل كبير.
ازداد عدد اللاجئين السودانيين المسجلين لدى المفوضية في مصر خمسة أضعافٍ خلال العام الماضي، بمعدلٍ يومي يتراوح بين 2.000 و3.000 لاجئ وطالب لجوء قصدوا مرافق استقبال المفوضية في منطقة القاهرة الكبرى ومدينة الإسكندرية.
ومنذ عام 2017، تمنح السلطات المصرية الإقامة للأجانب في البلاد لمدة 5 سنوات مقابل شراء عقار لا يقل سعره عن 400 ألف دولار، أو إقامة لمدة 3 سنوات عند شراء عقار بنحو 200 ألف دولار، وفق ما تذكر وسائل الإعلام المحلية.
وخلال العام الماضي، كثفت مصر من الإجراءات المتعلقة باللاجئين والمقيمين غير الشرعيين في البلاد، حيث طالبتهم الحكومة بتسوية أوضاعهم؛ من خلال سداد غرامة تبلغ نحو ألف دولار، كما اشترطت وجود مستضيف مصري.