د.سمير صابر بينو
إن كيان الاحتلال مستمر بشن حرب لا هوادة فيها على غزة، ولكنه بنفس الوقت لا يوفر جهداً في حربة النفسية التي بدأ بشنها من عقود طويلة وبأشكال مختلفة ضد دول العالم عامة وبعض الدول خاصة. وهي من دون أي شك تتقن التلاعب بالقلوب والعقول أكثر من إتقانها الحرب العسكرية، فهي بالرغم من استخدامها كل وسائل الحرب وأدواته، وبالرغم من الدمار والاضرار والمجازر البشرية التي تتباهى بها وبعدم إنسانيتها، لا تزال تتكبد الخسائر المادية والمعنوية. ولكنها في الجانب الاخر فقد حققت منذ سنين طويلة وبالتعاون مع شركائها ما عجزت عنه الدول العربية مجتمعة، وقد بلغ من إتقانها الحرب النفسية أنه وبالرغم من علمنا علم اليقين أن كثير مما تدعيه هو افتراء وكذب وتمويه، إلا أننا نميل أحيانا لتصديق ذلك، وننفعل ونتصرف بناء عليه. وذلك لأن لها منابرها وابواقها وأدواتها الدولية ولها أذرعها وآذانها المنتشرة والمتغلغلة في كل المجتمعات، والتي تعمل على نشر وتضخيم الإشاعات والاخبار المغرضة بقصد قلب الحقائق وإضعاف العزائم، وهذا عهدها من قديم الزمن.
لا يمكن إنكار ما تقوم به الآلة العسكرية الإسرائيلية والمدعومة من دول عديدة من دمار وتقتيل وتنكيل، فما يحدث على أرض الواقع هو أكثر بكثير مما يمكن أن تتخيله العقول، ولكن من الحكمة أن لا نصدق كل ما نسمع، فوراء كثير من أفعالها وأقوالها رسائل مضللة، موجهة لجماهير مختلفة، في الشرق والغرب وحتى مجتمعها الداخلي يتم التلاعب به لغايات فيها مصالح خاصة تخدم سلطات الاحتلال.
الحرب التي تشنها كيان الاحتلال ليست محصورة في ما يدور ويحدث في قطاع غزة فقط، بل إن جبهات حربها أوسع، فهي تحارب في ميادين كثيرة وبطرق متنوعة وبأشكال معقدة، ولها خطط وغايات أبعد من ذلك. ولكل جبهة رسائلها وأدواتها وأهدافها الخاصة، فهناك رسائل تدعو للتشكيك والاعتراض والتخريب، وجبهات أخرى لها رسائل التخويف واليأس والإحباط، وأخرى يرسل لها رسائل للدعم والتأييد والتعاطف. رسائل تتجمع بشكل متداخل فتحاول إيقاع الآخرين في شبكات الاعيبها ومؤامراتها للتأثير على عواطفهم ومواقفهم وآرائهم وسلوكهم، أفراداً كانوا أو جماعات.
إن تأثير الحرب النفسية يمكن أن يكون عميقًا ومستمراً، فهي تعمل على تضليل الرأي العام، وزرع بذور الفتنة والشقاق داخل المجتمعات، وزعزعة استقرارها. وتعمل على غرس الخوف والقلق وعدم الثقة لدى أفرادها. ولا سيما ونحن نعايش مشهداً يتسم بالتقلب السريع، والتعقيد المتزايد وهناك أشياء تحدث كل ساعة وهناك أشياء تبدو أنها تحدث، وقد يكون من الصعب معرفة ما الذي يحدث فعلاً؟ ومع ذلك فمن مصلحتنا أن لا ننساق وراء كل ظن أو كلمة أو صورة. منع الانسياق ليس حصراً على أجهزة الدولة، بل يتطلب تظافر الجهود من الحكومة والأحزاب والمؤسسات والجهات الشعبية ومن أنفسنا أيضا لفضح المعلومات الكاذبة والدعاية المضللة، والتوعية بخصوص أدوات وأساليب نشر تلك الاشاعات. وذلك لمنع الخطط والأساليب والألاعيب التي تهدف إلى خرق صفوفنا وتشتيت بوصلتنا، فهذه الخطط غايتها هي زرع الشك والإحباط في نفوسنا وزعزعة وحدتنا وتماسكنا وإضعافنا وإضعاف دعمنا للأهل في غزة.