أثار قرار الحكومة المصرية بزيادة أسعار السولار بنسبة 21% مرة واحدة، 22 مارس/آذار 2024، مخاوف مزارعين حول مستقبل الإنتاج الزراعي في مصر، الذي يعتمد عليه بالأساس، مشيرين إلى أن “الفلاح يدفع الثمن وحده”، جراء تداعيات القرار.
يأتي رفع السولار في مصر وسط توقعات بتقلص المساحة الزراعية على نحو أكبر، بعد أن أضحت الزراعة المحلية لا تتجاوز 11% من الناتج المحلي.
رفع السولار في مصر
يأتي ذلك في حين يتجه كثير من المزارعين للبحث عن مهن أخرى، تساعدهم على تلبية متطلباتهم الحياتية، ما يقود لأزمة غذاء يتوقعها العديد من المزارعين.
شهدت أسعار مستلزمات الإنتاج والتشغيل ارتفاعاً يتراوح ما بين 20% إلى 30% بعد القرار الحكومي بزيادة أسعار السولار من 8.25 جنيه إلى 10 جنيهات للتر الواحد.
الزيادة هي التاسعة خلال الـ10 سنوات الأخيرة، إذ كان سعر اللتر الواحد في عام 2014 يبلغ جنيهاً واحداً وعشرة قروش، وذلك بنسبة زيادة قدرها 800%.
يُعدّ السولار الوقود الأساسي المستخدم في وسائل النقل التجارية والمواصلات، كما أنه يدخل تقريباً في كل مكونات الاقتصاد، من تشغيل ونقل وإنتاج، إلى جانب استخدامه في المعدات الزراعية التي تقوم بري الأراضي وتسميدها، واستخدامه في آلات استخراج المياه من الآبار الجوفية، في ظل مشكلات تراجع وصول مياه النيل.
مهنة الزراعة ليست مجدية للفلاحين
محمد مهران، أحد مزارعي محافظة الدقهلية، قال، إن رفع السولار في مصر ألقى بظلاله على جميع وسائل الإنتاج الزراعية، وأضحت هناك زيادة في التكلفة الشاملة على الفلاح، تتراوح ما بين 25% إلى 40%.
اعتبر أن ذلك يؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار غالبية الخضراوات والفاكهة، وأن أول عوامل التأثر ظهر في أسعار الأسمدة، التي ارتفعت بنحو 500 جنيه للطن الواحد.
وقال: “الأكثر من ذلك، أن المزارعين يجدون صعوبة في الحصول على الأسمدة، لأن المصانع العاملة في مصر تختار التصدير إلى الخارج، بدلاً من البيع للسوق المحلي، مع تراجع قيمة الجنيه، وكسبها أرباحاً أكبر من التصدير، دون الالتزام بقرار توريد 55% من الإنتاج إلى السوق المحلية، وفقاً لاتفاق تلك المصانع مع الحكومة المصرية، وبالتالي فإن الفلاح يدفع الثمن”، وفق قوله.
أضاف أن “الفلاح يدفع أيضاً ثمن غياب السيطرة الحكومية على أسعار نقل المحاصيل الزراعية والجرارات، التي تأتي من مناطق ليست قريبة من الفلاحين في بعض الأحيان”.
أوضح أن كل ذلك متصل برفع السولار في مصر، قائلاً: “ليس من المنطقي أن تصبح قيمة تكلفة نقل المحصول من الدقهلية إلى محافظة القاهرة، وتحديداً إلى سوق العبور، 1000 جنيه، بعد أن كانت 600 جنيه قبل أسبوع واحد من اتخاذ قرار رفع السولار في مصر، في حين أننا نجد صعوبة في تسويق محاصيلنا، لذلك يتحمل المزارع الخسارة الأكبر لوحده”.
شدد أيضاً على أن إيجار ماكينات الري ارتفعت هي الأخرى، بعد رفع السولار في مصر، إذ وصلت إلى 40 جنيهاً في الساعة الواحدة، بعد أن كانت 25 جنيهاً، والأمر ذاته بالنسبة لتكلفة حرث الفدان، الذي وصل إلى 1000 جنيه بدلاً من 750 جنيهاً، وهي تكاليف سيكون من الصعب أن يتحملها المزارع.
وقال إنه “في الوقت ذاته، فإن زيادة أسعار بيع المحاصيل لن تكون حلاً لتخفيف الخسائر، إذ إن المزارعين يقومون بشراء المحاصيل والأغذية الأخرى التي لا يقومون بزراعتها بأسعار مرتفعة أيضاً، وهو ما يجعل مهنة الزراعة ليست مجدية بالنسبة لكثيرين، والحل أمامهم هو بيع أراضيهم أو تأجيرها”.
زيادة الهجرة من الريف إلى الحضر
إضافة إلى ما سبق، شكا كذلك مهران من أن الحكومة لا تستمع لأصواتهم، وأنه “ليس هناك نقابة بالمعنى الحقيقي، يمكن أن تدافع عن مصالح الفلاحين، للتفاوض مع الجهات الرسمية، حول ضرورة تقديم الدعم اللازم لهم، وتشجيع الاستثمار الزراعي بوجه عام”.
عبّر عن ذلك بالقول: “تبقى أوجاع الفلاحين فقط، يعانون منها ولا يعرف عنها أحد، ومن ثم يتراجع أعداد العاملين في القطاع الزراعي، وتتزايد معدلات الفقر بين الفلاحين، الذين كانوا لا يعانون في السابق الأزمات الاقتصادية الراهنة ذاتها، ويترتب على ذلك زيادة معدلات الهجرة من الريف إلى الحضر”.
آخر إحصائية حول الهجرة الداخلية من الريف إلى الحضر، من جهاز الإحصاء في مصر، كانت عام 2021، إذ سجلت ارتفاعاً إلى 30.9% مقابل 21.5% عام 2017.
يعيش في مصر، وفقاً لتعداد 2017، حوالي 58% من سكان البلاد في الريف.
يعمل 70% من السكان النشطين اقتصادياً في المناطق الريفية، في الزراعة، بدوام جزئي أو بدوام كامل.
كما تمثل الزراعة 11.9% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2016، وتغطي 63% من الاحتياجات الغذائية الوطنية، و25% من القوى العاملة في البلاد، بحسب نشرة الإحصاءات الزراعية في 2016.
أزمة قمح وبطاطس في الطريق
مزارع آخر من محافظة المنيا، يدعى أحمد ممدوح، أكد، أن قرار رفع السولار في مصر “شكل ضربة قاصمة” له، لأنه يأتي قبل أسابيع من بدء موسم حصاد القمح الشهر القادم، نيسان/أبريل 2024.
بحسب ممدوح، فإن الفلاحين كانوا يعوّلون على زيادة أسعار توريد أسعار القمح للحكومة هذا العام، بعد أن حددت سعر الأردب (مكيال مستخدم في مصر) بـ2000 جنيه، “لكن يبدو أنها كانت تستهدف تهدئة غضب الفلاحين، إذ إن الأزمة تكمن في أن هذا السعر لن يحقق أي مكسب للفلاح”، وفق قوله.
توقع كذلك أن “تندلع أزمة أخرى جراء الاتجاه إلى رفع التجار أسعار أردب القمح، وقد يصل إلى 2500 جنيه”.
شدد أيضاً على أن “سعر إيجار الجرار الزراعي الذي يقوم بمهمة درس القمح، ستصل إلى 1200 جنيه، بعد أن كانت 900 جنيه العام الماضي 2023، وهو سعر إيجاره في الساعة الواحدة فقط”.
أوضح أنه بناء على ما سبق، “فإن تكلفة درس الطن الواحد، من المتوقع أن تصل 2000 جنيه، لافتاً إلى أن المزارعين سيكونون أمام أحد خيارين، إما التهرب من الحكومة والاتجاه لبيع القمح إلى الشركات والمصانع الخاصة، أو التوقف عن زراعة المحصول، في ظل المشكلات والتضييقات التي يعانيها الفلاحون الذين يتخذون قرارات بمقاطعة التوريد الحكومي”.
ليس القمح وحده، بحسب ممدوح، الذي أشعار إلى أن أزمة بطاطس تلوح بالأفق أيضاً، خلال موسم حصادها في شهر مايو/أيار 2024، الذي تحتاج زراعته إلى تقاوٍ كثيفة (بذور أو نبات أو جزء من النبات يستنبت أو يزرع)، في حين وصل سعر طن التقاوي إلى 120 ألف جنيه، وهو ما تترتب عليه زيادة أسعار البطاطس في الأسواق، ومع مشكلات تراجع الاستهلاك، ووجود فائض هالك، قد يتحمله المزارع، لذلك فإن الكثيرين سيعزفون عن زراعتها.
كشف تقرير “الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء”، أن 74% من الأسر المصرية خفّضوا استهلاكهم من السلع الغذائية، بسبب ارتفاع الأسعار، فهناك 57% من الأسر انخفض استهلاكها من الخضراوات، و69% من الأسر انخفض استهلاكها من الفاكهة، و90% من الأسر خفّضت استهلاكها للبروتينات (لحوم ودواجن وأسماك).
كان هذا التقرير في أغسطس/آب 2022، قبل تفاقم التضخم، وتضاعف أسعار معظم السلع الغذائية على مدى 18 شهراً التالية، ولا توجد بيانات محدثة بعده من المركزي للإحصاء.
أوضح مهران وجود أزمة أخرى ترتبط بالتقاوي، تتعلق بشحّها في الأسواق المصرية، مع كميات استيرادها من الخارج، مستكملاً حديثه غاضباً: “لا توجد ضمانة لعدم استغلال زيادة أسعار السولار في رفع أسعار الأسمدة الكيماوية والتقاوي”.
أعاد سبب ذلك إلى أن “الكثير من المصانع التي كانت خاضعة لشركات قطاع الأعمال العام الحكومي، جرى بيعها للقطاع الخاص، وأضحى المزارعون فريسة لتلك المصانع، التي تهدف في المقام الأول لتحقيق الأرباح، دون النظر إلى وضعية المزارعين، الذين أضحوا أكثر رغبة في الاتجاه لبيع أراضيهم والاستفادة منها في مشروعات أخرى، مثل بناء العقارات أو التجارة في سلع غذائية مستوردة من الخارج، لضمان تحقيق أرباح عند بيعها داخل السوق المصرية”.
تقليل المساحات المزروعة وخفض الإنتاجية
في مطلع العام الجاري 2024، خفّضت شركات الأسمدة الحصة المطروحة في السوق المحلي، استعداداً للوفاء بالطلبات التصديرية خلال العام، ما أدى للضغط على المعروض محلياً، لترتفع الأسعار فى السوق الحر بقيمة 1500 جنيه في الطن.
تحتل مصر المركز السادس عالمياً بين كبرى الدول المنتجة لسماد اليوريا، بكمية تتراوح بين 6.5 و7 ملايين طن سنوياً، تمثل حوالي 4% من إنتاج اليوريا عالمياً، البالغ 170 مليون طن سنوياً.
كما أن مصر تحتل المركز الثامن عالمياً، ضمن كبرى الدول المستهلكة للأسمدة الآزوتية، بكمية تصل إلى 3.5 مليون، وفقاً لوزارة البترول والثروة المعدنية.
شدد أحد المزارعين، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، على أن الفلاح بحاجة إلى حصوله على دعم مادي لكي يتمكن من التعامل مع الزيادات السريعة في مستلزمات الزراعة وخاصة السولار.
وأشار إلى أن الحكومة كان يجب عليها أن تحدد سعراً مغايراً لوصول السولار إلى المزارعين، كما أن أسعار إيجارات الماكينات الزراعية من وزارة الزراعة بحاجة أيضاً لتدخّل عاجل لتخفيض أسعارها، بما يساهم في التقليل من تكلفة الإنتاج الزراعي.
حذر كذلك من أن “البقاء على هذا الوضع، سيؤدي لا محالة لتقليل المساحات المزروعة من المحاصيل، وانخفاض الإنتاجية، نتيجة اتجاه العديد من المزارعين لتخفيض كميات التسميد، والرش، الأمر الذي يترتب عليه تراجع الإنتاجية بشكل ملحوظ، ويقود لتلف بعض المحاصيل”، بحسب تقديره.
وقال إن “الفلاح ليس من مصلحته زيادة أسعار المحاصيل بقدر حاجته إلى تخفيض أسعار المستلزمات، التي يأتي معظمها من الخارج، وتحديداً التقاوي والمبيدات التي تعتمد عليها زراعة الخضراوات”.
وأشار إلى أن “الحكومة ما زالت مصرّة على أن يكون الدعم المقدم إلى الفلاح عينياً، ويترتب على ذلك، أن الكثير من الفلاحين ممن ليس لديهم حيازات زراعية، يقومون بتأجير الأراضي لزراعتها، وشراء المبيدات والأسمدة من السوق الحر بأسعار مرتفعة”، لافتاً إلى أن عدم التزام المصانع بتوريد 55% من إنتاجها إلى السوق المحلي، يؤدي في الأغلب لتعطيش السوق، وزيادة أسعار الأسمدة.
الدعم الحكومي “بحاجة لمراجعة”
شدد المزارع على ضرورة أن تقدم الحكومة من خلال البنك الزراعي المصري قروضاً ميسّرة، بفوائد بسيطة، لدعم الآلات الحديثة، وإتاحة عملية شراء الماكينات الحديثة الموفّرة للمياه والسولار بالتقسيط، على فترات متباعدة، إلى جانب أهمية تكثيف حملات الدعم والإرشاد التوعوي للمزارعين، خاصة أن الغالبية منهم يعتمدون على الري بالغمر، الذي يستهلك كميات كبيرة من المياه غير المتوفرة أصلاً، ويترتب على ذلك بوار مئات الأفدنة.
هاجم المزارع “فلسفة الدعم الحكومي”، مؤكداً أنها “بحاجة لإعادة مراجعة، لأن هناك فارقاً في سعر طن الأسمدة يصل إلى 7000 جنيه بين المدعوم والموجود في السوق الحرة، كما أن السماد المدعوم يتم تهريبه إلى السوق السوداء، من خلال بعض الدخلاء، الذين يقدمون ما يثبت حوزتهم على حيازات زراعية غير مستخدمة بالأساس، وهي مجرد أراض تعرضت للبوار، انتظاراً للفرصة السانحة للبناء عليها”.
أشار كذلك إلى أن هناك مزارعين ليس لديهم حيازات، لكنهم يقومون بتأجيرها من ملاك آخرين، ولا يستطيعون الحصول على الدعم، لأن تلك الأراضي ليست باسمهم.
أكد أيضاً أن الأراضي الزراعية في مصر تعاني مشكلة تفتتها، لأن 80% من المزارعين يمتلكون أقل من فدان واحد، وفي تلك الحالة لا يستطيعون أيضاً الحصول على الكميات الكافية من السماد المدعوم حكومياً.
كما أن التقاوي مرتفعة الثمن، وبحسب المزارع ذاته، فإنه في كثير من الأحيان يلجأ الفلاحون إلى ما يعرف باسم “كسر التقاوي” (تكسير بعض البذور عن قصد)، وخاصة في القمح، وهو لا يؤدي إلى إنتاجية جيدة، وفي كل الحالات، فإن المزراع لا يحقق المكسب الذي يجعله أكثر رغبة في الحفاظ على أرضه.
عن القروض التي يقدمها البنك الزراعي المصري، وصفها بأنها “صغيرة للغاية، وقد لا تتجاوز 10 آلاف جنيه، في حين أن تكاليف المستلزمات الإنتاجية باهظة للغاية”.
أكد أن ذلك تسبّب بعزوف عدد كبير من المزارعين عن الحصول عليها، لأنها لا تكفي الغرض منها، في المقابل، فإن التجار استغلوا تلك الوضعية، وقاموا بالتحكم في المساحات المزروعة، من خلال الاتفاق مع المزارعين قبل بدء الموسم، لضمان وصول المحصول إليهم، وهو ما يحدث تحديداً في الحبوب سهلة التخزين، من الأرز والذرة.
يشار إلى أن لجنة تسعير المواد البترولية الحكومية في مصر، رفعت أسعار لتر السولار من 8.50 جنيه إلى 10 جنيهات للتر الواحد، في 22 مارس/آذار 2024، مرجعة سبب ذلك إلى “ارتفاع أسعار النفط والغاز عالمياً، تزامناً مع الحرب الروسية الأوكرانية والحرب على غزة، والتوترات في البحر الأحمر”.