كانت تسمى كالبي، وبعد أن اجتاز القائد الأموي طارق بن زياد المضيق إيذانا بفتح شبه جزيرة أيبيريا في عام 711، أصبحت تحمل اسمه، ومنذ مطلع القرن 18 دخلها البريطانيون ولا يزالون هناك.
من المفارقات أن بريطانيا أصبح لها بحكم الأمر الواقع موطئ قدم في البحر المتوسط، وامتداد في شبه الجزيرة الأيبيرية التي تتكون من عدة دول هي أندورا وفرنسا والبرتغال وإسبانيا ومنطقة جبل طارق التي تتمتع بالحكم الذاتي منذ عام 1981، في حين أنها تحت سيادة التاج البريطاني رسميا منذ 27 مارس عام 1713.
كيف وقع “جبل طارق” في قبضة البريطانيين؟
جبل طارق أو “جبرلتار” بالإنجليزية هو عبارة عن نتوء صخري يقع بسواحل المتوسط على الطرف الجنوبي من شبه جزيرة أيبيريا، وكان ضمن الإمبراطورية الإسبانية منذ عام 1462.
بدأت هذه الأحداث التاريخية المفصلية بتعيين الملك كارلوس الثاني، ملك إسبانيا قبل وفاته في عام 1700 فيليب تشارلز، دوق أنجو والابن الثاني للويس الخامس عشر ملك فرنسا، وذلك لأنه لم ينجب ورثة للعرش.
هذا القرار زاد من حدة نزاع داخلي على العرش في إسبانيا، واستغلت بريطانيا ودول أوروبية حليفة الفرصة واتحدت في مواجهة إسبانيا وفرنسا، ونزل جنود بريطانيون وهولنديون في عام 1704 إلى جبل طارق للسيطرة عليه وسد طريق الخصوم في البحر المتوسط.
في تلك الفترة التي تميزت بضعف الإمبراطورية الإسبانية جرى في عام 1713 توقيع معاهدة أوتريخت لـ”السلام وصداقة أبديين”، تنازلت إسبانيا عن عدة مناطق هامة لبريطانيا منها جبل طارق وجزيرة مينوركا، مقابل انسحاب بريطانيا الفوري من تلك الحرب. قطعت أوصال الإمبراطورية الإسبانية وبدأت الإمبراطورية البريطانية في التوسع.
في تلك الفترة فر السكان الإسبان خلال الحرب من جبل طارق إلى داخل بلادهم، وأصبحت شبه الجزيرة في معظمها عديمة الفائدة للحكومة الإسبانية.
بريطانيا بدورها قررت استخدام جبل طارق كقاعدة بحرية رئيسة، وفي السنوات التالية زاد عدد البريطانيين بين سكان هذا الإقليم الاستراتيجي الذي لا تزيد مساحته عن 6.7 كيلو متر مربع.
بعد فوات الأوان، تنبهت إسبانيا إلى أهمية المنطقة الاستراتيجية وخاصة القاعدة البحرية، وسعت ثلاث مرات لاستعادة الإقليم، إلا أن القوات البريطانية المتمركزة هناك منعتها من ذلك.
لاحقا، خلال حرب الاستقلال الأمريكية، سارعت إسبانيا بمساعدة الفرنسيين إلى قطع الطريق عن جميع الإمدادات إلى جبل طارق لمدة أربع سنوات في محاولة لاستعادة المنطقة، إلا أن البريطانيين بفضل أسطولهم القوي، تمكنوا من إيصال الأغذية والإمدادات عن طريق البحر.
بعد تلك الحرب، أعطى الإسبان الأولوية لفلوريدا، المستعمرة التي خسروها في أمريكا، وركزوا جهودهم لاستعادتها ولم يقوموا بأس محاولة لاستعادة جبل طارق، علاوة على أنهم كانوا فقدوا أيضا جزيرة مينوركا، حيث يعيش المواطنون الإسبان، لكنها في نفس الوقت بقيت تطالب بهذا الإقليم الاستراتيجي الهام في البحر المتوسط.
ظل الوضع في جبل طارق كما هو بين عامي 1783 – 1936، ثم اندلعت الحرب الأهلية الإسبانية، وجرى إغلاق الحدود بسبب العدد الكبير من اللاجئين الذين يحاولون الهرب إلى بريطانيا. لندن بدورها عززت قبضتها على شبه الجزيرة.
الحكومة الإسبانية أعربت عن غضبها من الإجراء البريطاني، وكان الجانبان في السابق قد اتفقا على الاحتفاظ بمنطقة محايدة بين البلدين. بريطانيا لم تأبه لغضب الإسبان، وواصلت خططها وشيدت مطارا في المنطقة.
الاسم عربي والأصل إسباني والعلم بريطاني! حين وصل الجنرال فرانشيسكو فرانكو إلى السلطة، أعلن عن تصميمه على استعادة جبل طارق. شجعه هتلر على هذا الأمر، ووعده بالمساعدة، إلا أن فرانكو رفض العرض حتى لا يتورط في تلك الحرب العالمية.
بعد انتهاء الحرب لعالمية الثانية، استعادت العديد من الدول الأراضي التي فقدتها في السباق. بهذا الشأن نظم استفتاء في عام 1967 لتحديد موقف سكان جبل طارق، وصوت أكثر من 99 ٪ من هؤلاء بطبيعة الحال لصالح البقاء ضمن المملكة المتحدة.
العلاقات الإسبانية البريطانية تحسنت بعد وفاة الجنرال فرانكو، وأعيد فتح الحدود، إلا أن الخلاف تواصل حول الأحقية في إقليم جبل طارق. لم يتغير الموقف منذ ذلك التاريخ، ولا يزال جبل طارق منطقة حكم ذاتي على المتوسط تحت السيادة البريطانية.