د.سمير صابر بينو
تتمحور الدراسات المستقبلية حول وجود بدائل للمستقبل، أي أن المستقبل يتسم بأنه متعدد الاحتمالات، وهذه البدائل في مجملها تتطلع إلى المستقبل إما بوصفه منطقة ينبغي استكشافها، أو منطقة يستوجب بناؤها (وهنا يطلق عليه المستقبل المرغوب).
كما يطلق أحيانا على المستقبل المرغوب الذي تسعى الحكومات أو المنظمات أو الكيانات المختلفة إلى تحقيقه مسمى «المستقبل الرسمي»، حيث تؤدي هذه الجهات دوراً فعالاً في رسم ملامحه وتشكيل مساره؛ فالحكومات تضع خطط تنموية طويلة الأجل تحدد رؤيتها لمستقبل البلاد، بما في ذلك النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والاستدامة البيئية. كما تقوم المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، بوضع أهداف عالمية مثل أهداف التنمية المستدامة، والتي ينظر إليها على أنها بمثابة خريطة طريق لتحقيق مستقبل أفضل للجميع، وفي مجال الأعمال قد يكون المستقبل الرسمي هو الخطة الإستراتيجية للمنظمة.
لا شك أن المستقبل الرسمي له مزايا وفوائد، ولكن ما يعتبر مستقبلاً مثالياً لجهة معينة قد لا يكون مرغوباً لجهات أخرى، وخاصة إذا كان يمثل مصالح أحادية الجانب ولا يخدم مصالح الآخرين. وادراكاً بذلك فإن الجهات التي قامت بوضعه تسعى لفرض رؤيتها بكافة الطرق الممكنة، وتروج لفكرة أن القبول به والعمل وفقاً له هو الخيار الأمثل. وقد تنوعت أساليب الترويج للمستقبل الرسمي، وأصبح مفهومه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفكرة التقدم التكنولوجي والابتكارات الجديدة ودور ذلك في التعامل مع التحديات المتنوعة.
تعمل الرؤية المستقبلية الدولية على توحيد العالم داخل إطار موحد وتسليط الضوء عليه من خلال المؤتمرات والأبحاث العلمية ووسائل الإعلام والتكنولوجيا وغيرها، والترويج بأنها المصير المنتظر بناءً على توجهات وتطورات الأحداث والوقائع. كما أنها تعمل على تهميش وتشتيت الأنظار والأفكار عن أي رؤى مستقبلية لجهات أو ثقافات أخرى، وبحيث تصبح هي الرؤية السائدة وما عداها يسير في ركبها أو يحاول اللحاق بها. فبالرغم من أن الدراسات المستقبلية تقوم على تعددية احتمالات المستقبل، إلا أن هناك جهات وقوى دولية تحاول الغاء الاحتمالات المستقبلية التي لا تتفق مع مصالحها بحجة أنها غير ممكنة، وأن رؤيتها للمستقبل فيها مصلحة الأغلبية.
حقيقة هذه الرؤى المستقبلية أنها غالباً ما تعكس المستقبل المرغوب والمفضل لجهة معينة، ولكنها لا تعكس بدقة التنوع والتعقيد الذي تتميز به المجتمعات البشرية وتطلعاتها، كما أنها تتميز بطابع إقصائي، خاصة لما يقع خارج نطاقها، لأنه لا يراعي وجهات نظر واحتياجات المجتمعات والجهات الأخرى. ومثل هذه الرؤى للمستقبل والتي يتم طرحها والترويج لها بديمومتها، أو تميّزها أو نجاعتها أو حتميتها، من دون شك سوف تشكل عقبات أمام التغيير والتقدم لجهات أخرى.
تشير الإشارات والمؤشرات التي تنبعث من المشهد العام أن الاوضاع في المنطقة أو في أماكن متفرقة من العالم قد تمر ببعض المنعطفات الحادة وفي مجالات متنوعة، والتي يمكن أن تشكل قضايا وتحديات يكون لها تأثيرات نوعية من حيث المدى والعمق، وقد تكون فرصاً تعزز وتدعم التقدم المنشود. وبالتالي فبينما نتعامل مع تعقيدات الحاضر يجب علينا أن نبقى منفتحين على احتمالات جديدة وأن نكون مستعدين لتحدي ومراجعة الرؤى السائدة التي قد لا تتوافق مع مصالحنا، وأن نتطلع نحو مستقبل قمنا نحن باستشرافه بكل دقة. ومع أنه يمكن ان يكون في المستقبل الرسمي الدولي بعض الحلول لأطراف مختلفة إلا أنه من الضروري إدراك أهدافه وتأثيراته وحدوده.