شارك نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، في أعمال الاجتماع رفيع المستوى لمجلس الأمن الدولي حول الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية في نيويورك.
وقال الصفدي في كلمة أمام مجلس الأمن إن الوقت يداهمنا والعدوان الإسرائيلي على غزة قد طال أمره، والمجازر قد أزهقت الكثير الكثير من الأرواح، ومئة وتسعة أيام من الفظائع، وأكثر من خمسة وعشرين ألف إنسان بريء قد أزهقت أرواحهم، والآلاف من الأطفال ما زالوا تحت الأنقاض، والأمهات والآباء لا حول لهم وهم يشاهدون أبناءهم وبناتهم يموتون من الألم والجوع (سوء التغذية)، والناس تحمل رفات عوائلهم بأكياس البلاستيك، وتستهزئ إسرائيل بالقانون الدولي، ومجلس الأمن للآن لم يطلب وقف إطلاق النار، ولا يقوم بفرض تطبيق قراراته التي تطالب بإيصال الغذاء للجائعين، والدواء للمرضى والمصابين، والتخدير للأطفال الخاضعين لعمليات جراحية نتيجة إصاباتهم جراء القصف الإسرائيلي العشوائي على المنازل والمدارس والمستشفيات والجوامع والكنائس والملاجئ.
وتساءل الصفدي “في أي عالم نعيش حين يُجبر العم على إجراء عملية جراحية لابنة أخيه دون تخدير، هذا ما فعله الدكتور هاني بسيسو، في اليوم المئة وواحد لهذا الرعب، وفي منزله المحاصر، قام ببتر ساق ابنة أخيه التي تبلغ السادسة عشرة من العمر ودون مخدر، على طاولة الطعام في منزله، وكان المستشفى يبعد عنه خمس دقائق، ولكن حرب إسرائيل قد حالت دون الوصول إليه. ابنة أخيه، عهد، هي واحدة من عشرة أطفال يفقدون أحد أطرافهم كل يوم في غزة، بحسب منظمة إنقاذ الطفولة “Save the Children”.
وتابع “يقول مدير المنظمة في الأرض الفلسطينية المحتلة أنه حتى في مناطق الحرب، لا يمكن للإنسانية استيعاب مناظر وأنين الأطفال المشوهين من أثر القنابل.
وطالب الوزير بوقف المجازر، فكل يوم يمضي دون إنهاء العدوان يعني المزيد من إزهاق الأرواح البريئة نتيجة العدوان الإسرائيلي والجوع والأمراض، وإن التهديد بالامتداد الإقليمي لهذه الحرب الكارثية هو تهديد حقيقي، والضفة الغربية في حالة غليان، والتوترات تفشت في المنطقة بشكل خطير.
وأشار إلى ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة بأنه عين الصواب: “غزة قد أصبحت مقبرة للأطفال،”و لا يوجد مكان آمن في غزة، حتى الموتى قد طالهم هذا الاعتداء اللإنساني، وقام الجنود الإسرائيليون بإخراجهم من قبورهم في ست عشرة مقبرة، وهذه ليست أفعال جنود مارقين، بل يعكسون أجندة التطرف والعنصرية التي تُغذي الحرب والتي تجرد 5.5 مليون فلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية من إنسانيتهم، فهي أيدولوجية الكراهية التي يعتنقها علانية وزراء إسرائيل، والتي تجعل من القتل الجماعي للفلسطينيين أمراً عادياً.
وبين أن إسرائيل تدمر مجتمعا بأسره، وهّجرت أكثر من ثلثي سكان غزة، 1.9 مليون إنسان يعانون من ذل الملاجئ المتخمة والحرمان من الماء والغذاء والدواء، وتقوم إسرائيل عمداً بتجويع المدنيين من خلال منع المساعدات الإنسانية، ووفق تصنيف من أجل الأمن الغذائي المتكامل (IPC) حول غزة، والذي نشر الشهر الماضي، فإن جميع سكان غزة يواجهون مراحل متقدمة من المجاعة، وهنالك نصف مليون من هؤلاء السكان قد وصلوا المرحلة الخامسة الأكثر حدية للمجاعة وفق تصنيف (IPC).
ومضى قائلا، “بمعنى آخر، قامت إسرائيل بتجويع نصف مليون فلسطيني، وهذا أربعة أضعاف مجموع أعداد الذين يواجهون المجاعة من المستوى الخامس في سائر أنحاء العالم، ولم يسجل تصنيف (IPC) أبداً هذا المستوى من قلة الأمن الغذائي في أي بقعة من العالم في التاريخ الحديث، وهذه الوحشية يجب أن تتوقف، وأقل ما يمكن لمجلس الأمن فعله هو اتخاذ قرار مُلزم بإنهاء هذه المعاناة.
واكد الصفدي في كلمته بأنه لا يمكن للاحتلال والعنف والحرب أن يستمر بتهديد المنطقة، والسلام هو الضمان الوحيد لأمن وأمان إسرائيل والفلسطينيين والمنطقة بأسرها، وأن الحلول المجتزئة لن تحقق السلام، والحديث عن مقاربات تقتصر على غزة خارج إطار الحل الشامل الذي ينهي احتلال الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وغزة، هو ببساطة أمر غير قابل للتطبيق.
وقال لا يمكن العودة لما كان في السابق بمزيد من الحصار والاضطهاد، وليس لنا أن نقول لأهل غزة بأن عليكم أن تتحملوا العيش في سجن مفتوح وضعتكم إسرائيل فيه منذ عقود، والطريق الوحيد للسلام هو عبر إقامة دولة فلسطينية مُستقلة وذات سيادة على خطوط الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس المحتلة، تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل الآمنة والمعترف بها.
وزاد، جميعكم تقبلون حل الدولتين، إلا أن إسرائيل تعمل على تقويض هذا الحل وتتحداكم جميعاً علانية، ورئيس وزراء إسرائيل قد تعهد بعدم السماح للشعب الفلسطيني بتحقيق حقه في الحرية وإقامة الدولة، وسياساته تجعل من المستحيل تحقيق السلام، وهو يقول ببساطة أنه سيستمر في اضطهاد الفلسطينيين، وهو يجعل من المستقبل مستقبل حرب، تحديه هذا لا يمكن أن يكون دون عواقب، ويجب محاسبة إسرائيل على أفعالها، على جرائم الحرب، وعلى الحيلولة دون تحقيق السلام.
وشدد على أنه لا يمكن أن تصبح المنطقة رهينة للطموحات السياسية وأجندات المتطرفين الإسرائيليين الذين يصفون الفلسطينيين بالحيوانات البشرية التي لا تستحق الحياة، والذين يُمكنون المستوطنين من ممارسة الإرهاب ضد الفلسطينيين الأبرياء، ونحن الآن أمام مرحلة مفصلية، وعلى المجتمع الدولي أن يختار بشكل عاجل بين السماح للحكومة الإسرائيلية بإهلاك المنطقة أو الاعتراف بالدولة الفلسطينية ووضع منطقتنا على طريق السلام الذي لا عوده فيه.
وقال ليس هنالك نقص في الأفكار التي يمكن طرحها لتحقيق السلام. ولكن هناك نقصا في إرادة إسرائيل لقبول حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، ونقصا في عزيمة المجتمع الدولي باتجاه الوصول الحقيقي لحل الدولتين.
وحذر من أن الوقت يمر والمخاطر كبيرة، وما نحتاج إليه هو تحرك حقيقي من أجل السلام، والذي يجب أن يبدأ بإنهاء هذا العدوان اللاإنساني، وينتهي بإنهاء الاحتلال بشكل عاجل، فالاحتلال هو أساس كل الشر، وعلينا فرض السلام، لأنه إذا لم نفعل ذلك، فإن الحكومة الإسرائيلية ستستمر في فرض المزيد من الحروب، والمزيد من الموت، والمزيد من الكراهية في منطقتنا.
وكان الصفدي قد التقى، على هامش أعمال الاجتماع، نظراءه وزراء خارجية كل من فرنسا ستيفان سيجورنيه، والنرويج إسبن بارث إيدا، والنمسا ألكساندر شالينبيرع، وماليزيا محمد حسن، وروسيا سيرغي لافروف، وإندونيسيا ريتنو مارسودي، وسلوفينيا تانيا فايون، وسويسرا إجنازيو كاسيس، بالإضافة إلى رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميريانا سبولجاريك، في اجتماعات استعرضت تطورات الأوضاع في غزة، والجهود المبذولة للتوصل لوقف كامل لإطلاق النار وإدخال المساعدات وضمان حماية المدنيين.
وفي سياق التنسيق العربي المشترك، التقى الصفدي نظيريه وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف الذي تشغل بلاده عضوية مجلس الأمن للفترة 2024 إلى 2025، ووزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب، في اجتماعين منفصلين أكدا ضرورة وقف جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة، والتصدي لانتهاكاتها المستمرة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وضرورة تكثيف الجهود لخفض التوتر والتصعيد في المنطقة، والحؤول دون توسع الحرب وخطرها على أمن المنطقة برمتها.