إستثمارٌ .. أم إدارة للإنهيار ؟

إستثمارٌ .. أم إدارة للإنهيار ؟

لم يعد الغضب العربي تجاه سياسات إحدى الدول العربية حالةً انفعالية أو مبالغة شعبية يمكن القفز عنها، بل أصبح شعورًا عامًا يتسع بصمت ويستقر في الوعي الجمعي بوصفه رفضًا أخلاقيًا قبل أن يكون خلافًا سياسيًا .. دولة تكثر من الحديث عن العالمية ، والتسامح ، وجسور التلاقي بين الشعوب لكنها في نظر قطاعات واسعة من العرب تمارس نقيض ذلك تمامًا .. تفريغ السياسة من معناها ، وإضعاف الروح الوطنية .. وتحويل الأوطان إلى فرص قابلة للبيع .

المسألة لم تعد متعلقة بالشعارات .. فالشعارات لا تُحاسَب بل بالنتائج .. في كل ساحة عربية منهكة ، يظهر هذا الدور بوصفه حلًا جاهزًا .. مالٌ يتقدم .. مشاريع تُعرض .. وأصول تُشترى .. ثم يتبين لاحقًا أن ما جرى لم يكن إنقاذًا لدولة بل إدارة لها وهي في أضعف حالاتها .. الاستثمار هنا لا يُقرأ كتنمية بل كوسيلة نفوذ .. والشراكة لا تُفهم كتعاون بل كمدخل للهيمنة البغيضة .

الأخطر أن هذا السلوك يُسوَّق باعتباره “فوق السياسة” وكأن السياسة تهمة يجب التخلص منها .. يُطلبُ من الشعوب العربية البرودة ، ومن القضايا الكبرى الصمت .. ومن الذاكرة النسيان بحجة الواقعية والانفتاح والعالمية . العالمية التي تُفرغ الإنسان من انتمائه وتُقنعه بأن هويته عبء .. ليست انفتاحًا بل إلغاءٌ ناعم للذات .

وفي أكثر اللحظات العربية دموية انكشف حجم الفجوة بين الخطاب والموقف .. حين تُقاس السياسة بميزان الدم لا تعود اللغة الدبلوماسية كافية ولا يصبح الحياد فضيلة . كثير من العرب يشعرون أن هذه الدولة اختارت موقع العدو لا الأخ والصديق .. موقع من يدير المشهد لا من يتحمل كلفته .. ومن يوازن المصالح لا مَنْ ينحاز للحق .. وهذا ما فجّر الامتعاض الشعبي .. لا لأن الشعوب ترفُض الاخوّة والعروبة ، بل لأنها ترفض الانفصال الأخلاقي الذي تُمارسه هذهِ الدولة العربية .

ما يُتداول على نطاق واسع عن تطويع قرارات في دول عربية أخرى عبر المال أو شراء الأصول في لحظات العجز أو بناء شبكات نفوذ تتجاوز الدولة نفسها لصالح تلك الدولة قد لا تكون روايات موثقة ، لكن انتشارها الكاسح يقول شيئًا واحدًا لا يمكن إنكاره .. انهيار الثقة !! وحين تفقد دولة عربية ثقة الشارع العربي فإنها تخسر أثمن ما يمكن أن تملكه مهما تضخمت مشاريعها .

ليسَ تجنيًا وليس تحريضًا وليس دعوة للقطيعة .. هو تحذير صريح : لا يجوز تسويق التآمر والطعن في الظهر العربي على أنهُ سياسة !! ، ولا قتل الروح الوطنية باسم التوفيق بين الشعوب .. المال العربي إن لم يكن في خدمة الأمة سيتحوّل إلى أداة ضدها .. والمشاريع التي تُفرغ الإنسان من قضيته ستسقط مهما بدت براقة .

الذاكرة العربية ليست قصيرة .. والكرامة لا تُشترى .. والروح الوطنية لا تُقايَض بعقود .. ومن يراهن على أن الزمن كفيل بإطفاء هذا الغضب لم يفهم الشعوب العربية جيدًا .. وعروبتهِ بحاجة إلى إعادة تقييم .

المحامي فضيل العبادي

Read Previous

برئاسة الملك سلمان .. مجلس الوزراء: لن نتردد في مواجهة أي تهديد لأمننا الوطني

Most Popular