السفير .. الحكومة .. والسؤال الحرام !!

السفير .. الحكومة .. والسؤال الحرام !!

لم يكن الجدل الذي أثاره الحضور اللافت للسفير الأمريكي في الأردن وليد سوء فهم أو مبالغة شعبية عابرة .. بل تعبيرًا عن حسّ سيادي متجذّر لدى مجتمع يعرف أن التاريخ لا يُقرأ بنوايا حسنة بل بالوقائع والتجارب . فحين يخرج السفير عن الإطار الدبلوماسي المألوف ويتحوّل إلى حضور اجتماعي متكرر، فإن السؤال لا يكون شخصيًا بل سياسيًا بامتياز : أين تقف الدبلوماسية وأين تبدأ المناطق الرمادية ؟ .

الأردنيون لا يسألون بدافع العداء ولا من باب الارتياب المرضي ، بل لأن ذاكرتهم السياسية علّمتهم أن كثيرًا من الدول لم تُنتقص سيادتها بالدبابات بل بالخطوات الناعمة والابتسامات .. والاقتراب المفرط من المجال العام .

في العالم الثالث لم يكن السفير دائمًا “ضيفًا ” بل كان أحيانًا صوت القرار أو بوابته، أو اللاعب الصامت .

ومن الخطأ التعامل مع الحساسية الأردنية وكأنها طارئة ، فقد شهد الأردن في مراحل سابقة جدلًا واسعًا حول أدوار سفراء أمريكيين كثيرين ، وكان أبرزهم ستيوارت جونز الذي اشتهر بتصريحات سياسية علنية تجاوزت ما اعتبره كثيرون مألوفًا دبلوماسيًا ، و “أليس ويلز ” التي ارتبط اسمها في الوعي العام بمرحلة أمنية إقليمية معقدة تداخلت فيها الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية ولم تكن تلك النقاشات افتراءات بل مؤشرات على قلق سيادي مشروع .

القضية ليست في شخص السفير الحالي ولا في نواياه ولا في احترامٍ ثابت يكنّه الأردنيون للشعب الأمريكي ، وهو احترام لا نقاش فيه .. القضية في الصورة والرسالة فحين يتكثف الحضور الدبلوماسي في المجال الاجتماعي من دون تفسير واضح ومن دون ضابط لإيقاعه ، يتحول من دبلوماسية عامة إلى سلوك قابل للتأويل السياسي .. والتأويل في منطقتنا ليس أمرًا بريئًا .

السيادة لا تُنتهك ببيان لكنها قد تُستنزف بالقبول مع الغموض .. والدولة التي لا تُمسك بخيوط المشهد الرمزي داخل حدودها، تترك فراغًا يملؤه الآخرون ولو بحسن نية .

إنَّ التحذير ليس موجّهًا ضد أحد !! بل موجّه لصالح الدولة نفسها : لا تتركوا المساحات الرمادية تتسع .. ولا تستهينوا بحساسية المجتمع حين يشعر أن المشهد غير متوازن .

الصداقة بين الدول لا تعني إسقاط المسافات ، والتحالف لا يعني تذويب حدود الاحترام .. الأردن دولة لها تاريخها وشرعيتها ومؤسساتها .. ولَمْ يَكُن يومًا دولة تُدار من سفارة .. ولن يقبل أن يُفهم حضوره الدولي على هذا النحو .. من حق الناس أن يسألوا ، ومن واجب الدولة أن تُجيب !! ومن مسؤولية أي سفير أن يتذكّر أن الاقتراب الزائد قد يُفسَّر نفوذًا حتى لو لم يُقصد ذلك .

هذا ليس عداءً .. بل يقظة ، وليس تشكيكًا .. بل تحصين للسيادة قبل أن تصبح موضع نقاش أكبر !! .

المحامي فضيل العبادي

Read Previous

العراق يعلن توقف ضخ الغاز الإيراني بالكامل

Read Next

سماوي يلتقي سفيرة دولة أستراليا في الأردن

Most Popular