
بقلم : علاء عواد
لم تكن وفاة عشرة أشخاص اختناقا بسبب استخدام صوبة الشموسة حادثاً عابرًا بل مأساة مكتملة الأركان كشفت مرة أخرى خللا عميقاً في منظومة الرقابة والمساءلة وأعادت طرح سؤال قديم جديد : من يتحمل المسؤولية حين يموت المواطن بسبب منتج متداول في الأسواق؟
في دول تحترم حياة مواطنيها لا تمر كارثة بهذا الحجم دون استقالات فورية وفتح تحقيقات شفافة ومحاسبة علنية تبدأ من اعلى الهرم قبل أدنّاه .
أما عندنا فغالبا تختزل الفاجعة في بيانات تعزية ويُحمل المواطن المسؤولية تحت عناوين فضفاضة مثل سوء استخدام أو عدم الالتزام بالإرشادات .
لكن هل يعقل أن يُتداول منتج قاتل في الأسواق ويحمل مواصفات رسمية ثم تُلقى المسؤولية كاملة على المستهلك ؟
أين تبدأ المسؤولية ؟
المسؤولية لا تبدأ من بيت المواطن بل من الجهة التي سمحت بتداول المنتج في السوق تلك الجهة ذاتها التي منحته علامة المطابقة وهي التي راقبت أو لم تراقب سلامته ولم تحذر بوضوح أو تسحب المنتج عند ظهور الخطر .
وهنا يُطرح السؤال المشروع :
اليس من الأجدر استقالة وزير الصناعة والتجارة ؟
اليس من البديهي مساءلة مديرة مؤسسة المواصفات والمقاييس بوصفها الجهة المعنية الاولى بضمان سلامة المنتجات؟
فالمنصب العام ليس تشريفا بل تكليف وعندما يؤدي الإخفاق الإداري او الرقابي إلى فقدان الأرواح فإن الاستقالة تصبح موقفا اخلاقيا قبل أن تكون إجراءا سياسيًا أو جزائيا.
ولكننا وللأسف لسنا أمام الحادثة الأولى التي ستحفظ في الأدراج دون محاسبة فحادثة البحر الميت ما زالت ماثلة في الذاكرة حيث انتهت الكارثة بلا مسؤول حقيقي وبلا تغيير جذري يمنع تكرار المأساة واليوم تتكرر الحلقة ذاتها : ضحايا ، صدمة، ثم صمت.
ونحن لا نطالب بالمستحيل بل بتحقيق مستقل وشفاف وإعلان للنتائج وان تكون واضحة للرأي العام وتحديد المسؤوليات بالأسماء ومحاسبة فعلية لا شكلية مع مراجعة جذرية لآليات الترخيص والرقابة لان الدولة التي لا تحاسب مسؤوليها عند موت مواطنيها تفقد تدريجيا ثقة الناس ومعنى المسؤولية فيها .
فأرواح الضحايا ليست ارقاماً وملفاتهم لا يجب ان تحفظ في الأدراج فالمحاسبة ليست انتقاما بل شرط أساسي للعدالة وضمانة وحيدة لعدم تكرار المأساة .