
واشنطن والإخوان … قرار يتجاهل الجغرافيا ويستفزّ التاريخ !!
الأمر التنفيذي الذي أصدرته الإدارة الأميركية بحق فروع الإخوان المسلمين في مصر ولبنان والأردن لا يمكن قراءته كمجرّد شأن داخلي، ولا كخطوة تقنية في ملف “مكافحة الإرهاب .. ومحاولة واشنطن تقديمه على أنه تصنيف قانوني ، يختزن في جوهره رؤية سياسية متعالية تفترض أن الشرق الأوسط حديقة خلفية يمكن إعادة تنسيقها بقرارات جاهزة تُكتب في البيت الأبيض وتُنفَّذ على الأرض العربية بلا سؤال أو مراجعة .
في الأردن هذا القرار لا يستقيم مع الواقع ولا مع التاريخ !! فالإخوان — بقدر ما أثاروا الجدل واختلف معهم الناس — ظلّوا جزءًا أصيلًا من البنية الاجتماعية والسياسية، وشاركوا في النقابات والبرلمان والبلديات وكانت علاقتهم بالدولة محكومة بالتنافس وبالتفاهم وبالاشتباك السياسي !! لا بالسلاح ولا بالفوضى .. والتجربة الأردنية الطويلة لم تُنتج “تنظيمًا مسلّحًا” ولا “حركة عنف” بل حركة سياسية واسعة ذات حضور شعبي وتاريخ نقابي .. ومهما تعددت الانتقادات لهم فإن وصفهم بالإرهاب يتجاوز الوقائع ويتجاهل الفارق بين المعارضة السياسية و العنف المنظم .
إن التعامل الأميركي مع الإخوان كوحدة واحدة يختزل فهمًا مشوّهًا للمنطقة .. فالفروع تختلف باختلاف الدول ، وتجربة مصر ليست تجربة الأردن .. وتجربة لبنان ليست امتدادًا آليًا لأي طرف آخر .. منطق “التجريم بالجملة” ليس تحليلًا سياسيًا، بل تبسيط خطير يخدم هدفًا واحدًا : تفكيك التيارات التي لا تتماهى مع المشروع الإسرائيلي أو التي تملك امتدادًا شعبيًا يمكن أن يؤثر في المزاج العام تجاه القضايا الكبرى وعلى رأسها فلسطين .
الأدهى من القرار الأميركي أنه قد يُنتج نقيض ما تريده واشنطن .. فالشعوب في لحظات الضغط الخارجي تنحاز غريزيًا إلى من يُستَهدَف لا دفاعًا عن فكر بعينه بل رفضًا لوصاية تأتي من الخارج .. وهذا ما يحدث اليوم : قطاعات واسعة من الأردنيين ترى القرار الأميركي امتدادًا طبيعيًا لمنطق الانحياز لإسرائيل ومحاولة لتأديب كل صوت ارتفع في السنوات الأخيرة مندّدًا بالاحتلال أو داعمًا للمقاومة .. وهكذا يتحوّل القرار من أداة “تحجيم” إلى رافعة سياسية وشعبية لمن تستهدفهم واشنطن !! .
إن استقلال القرار الأردني ليس شعارًا، بل هو شرط لبقاء الدولة متماسكة .. فالعلاقة بين الدولة والإخوان تُحدِّدها معادلة الولاء الوطني وسيادة القانون ، وقدرة الدولة على ضبط الحِراك السياسي وفق مصالحها، لا وفق رغبات قوة أجنبية مهما كانت مكانتها .. وإذا ثبت — يومًا — أن أي جماعة أو تيار استقوى بالخارج على الأردن فسيكون الحساب أردنيًا صريحًا، وبأدوات الدولة لا بأوامر الآخرين .
الأمر التنفيذي الأميركي يعكس قراءة قاصرة للمشهد الإقليمي .. فالأردن ليس دولة هامشية يمكن إعادة هندستها استجابة لضغوط تُمارس على دول الطوق حِمايةً لإسرائيل .. والمنطقة اليوم لم تعد تحتمل معادلات تُفرض من الخارج بمنطق “الأمن أولًا” لإسرائيل وللعربِ القُشور .. الشعوب تغيّرت .. وحساباتها تغيّرت .. ومن يتجاهل هذا الواقع يحكم على سياساته بالفشل قبل أن تبدأ .
الشرق الأوسط ليس مُختَبراً للتجارب السياسية .. ومن يعتقد أنه قادر على إعادة تعريف القوى الفاعلة فيه من خلال مرسوم واحد فقد أخطأ قراءة التاريخ والجغرافيا والإنسان معًا .
ليسَ مطلوبًا اليوم مِنْ الدولة الأردنية الانصياع للاملاءات الامريكية ، بل المطلوب هُوَ إستيعاب هذهِ الخطط الامريكية بأقل الخسائر إلى ان تمضي هذهِ الفترة المجنونة ومطلوب كذلك مِنْ الإخوان مساعدة الدولة والتماهي معها في سبيل مصلحة الوطن .
المحامي فضيل العبادي