تصاعدت وتيرة الانتقادات للسلطة الفلسطينية خلال الأيام الأخيرة، وذلك بسبب أنها تقف موقف المتفرج مما يجري من مجازر في قطاع غزة، في الوقت الذي تحركت فيه جنوب أفريقيا على المستوى الدولي والقضائي وحركت دعوى ضد تل أبيب تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جريمة “الإبادة الجماعية”، وهي الدعوى التي تسببت بحالة من الهلع في دوائر صنع القرار الإسرائيلية، وتُعتبر التحرك الأهم على المستوى الدولي حتى الآن ضد الجرائم الإسرائيلية في غزة.
وكانت جنوب أفريقيا قدمت دعوى ضد إسرائيل أمام أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة، وهي محكمة العدل الدولية في لاهاي، حيث اتهمتها بارتكاب جرائم إبادة جماعية، فيما حددت المحكمة تاريخي 11 و12 كانون الثاني/ يناير الجاري لعقد جلسات الاستماع. وأعلنت عدد من دول العالم في وقت لاحق تأييدها للدعوى التي سجلتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل.
ويأتي الموقف الحالي الصامت للسلطة الفلسطينية تجاه التحرك القانوني الدولي ليعيد التذكير بموقف السلطة من نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في العام 2018، حيث كانت السلطة قد لجأت إلى محكمة العدل الدولية لتقديم شكوى ضد الولايات المتحدة، على اعتبار أن القدس أرض محتلة ولا يجوز التعامل معها خلافاً لذلك، ليتبين لاحقاً من وثائق المحكمة أن السلطة الفلسطينية تراجعت عن الشكوى، وتوقفت عن ملاحقة الولايات المتحدة في المحافل الدولية.
واشتعلت موجة من الغضب والانتقادات للسلطة الفلسطينية بسبب الموقف الصامت طوال ثلاثة أشهر من المجازر التي تستهدف الفلسطينيين في غزة، فيما لم تعلن السلطة حتى تأييدها للدعوى القضائية التي أقامتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، والتي ستبدأ محكمة العدل الدولية النظر فيها خلال الأيام القليلة المقبلة.
وأصدرت حركة مقاطعة إسرائيل (BDS)، وهي واحدة من أكبر وأنشط المنظمات الداعمة للشعب الفلسطيني على مستوى العالم، بياناً تساءلت فيه: “لماذا لم تُصدر السلطة الفلسطينية نداءً علنياً طارئاً إلى دول العالم لدعم الدعوى القضائية ضد إسرائيل بتهمة الإبادة؟”، وأضافت: “جنوب أفريقيا تنتصر لفلسطين، وتحاكم العدوّ الإسرائيلي في محكمة العدل الدولية في لاهاي بتهمة الإبادة ضد شعبنا في غزة المحتلة والمحاصرة، مسجّلة سابقة تاريخية مجيدة لن ينساها شعبنا الفلسطيني”.
ولفتت حركة مقاطعة إسرائيل إلى أن “الدعوى التي بادرت لها جنوب أفريقيا حظيت بتأييد كل من منظمة التعاون الإسلامي وحكومات ماليزيا وتركيا والأردن وبوليفيا، حيث تطلب الدعوى من المحكمة إصدار أمر طارئ بوقف فوري ودائم لإطلاق النار وللتهجير، وبإدخال المساعدات دون قيود لوقف الإبادة في غزة”.
وأعاد الإعلامي المصري المعروف، والمذيع السابق في قناة الجزيرة، حافظ الميرازي، التذكير بتحرك السلطة الفلسطينية السابق إزاء نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، حيث كانت السلطة تعتزم مقاضاة الحكومة الأمريكية لوقف تنفيذ القرار الذي أصدره الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في العام 2017.
وقال الميرازي: “السابقة الأخيرة للسلطة الفلسطينية ذاتها وليس أي حكومة عربية أخرى، تتعلق بالقضية التي رفعتها فلسطين أمام محكمة العدل الدولية ضد الحكومة الأمريكية، حين نفذت قرار ترامب في ديسمبر 2017، ونقلت بالفعل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس يوم 14 مايو 2018 عشية الذكرى السبعين لقيام دولة إسرائيل”.
وأضاف: “محكمة العدل الدولية قبلت آنذاك القضية التي تستند إلى انتهاك اتفاقية فيينا بأن السفارة تُقام على “أراضي الدولة المستقبلة” ولا تعتبر القدس من أراضي دولة إسرائيل، خصوصاً أن لمحكمة العدل قرارا سابقا عام 2004 يؤيد ذلك بعدم مشروعية الجدار العازل على الأراضي المحتلة”.
ولفت الميرازي إلى أنه “مر عامان ونصف، ولم تُنظر القضية، ثم تولى بايدن الرئاسة في يناير 2021، كما تولت رئاسة محكمة العدل في فبراير القاضية الأمريكية الحالية جوان دونوهيو خلفا للقاضي الصومالي عبد القوي يوسف. وتحركت القضية، حيث تم تحديد أول يونيو 2021 للمرافعة الشفهية لفلسطين.. فإذ بالسلطة تتقدم يوم 14 أبريل باسم فلسطين بطلب إلى محكمة العدل بتأجيل النظر في قضيتها ضد أمريكا، وحتى الآن لم نسمع من السلطة الفلسطينية متى ستواصل قضيتها القوية المقبولة من محكمة العدل الدولية بشأن القدس؟ وهل حصلت على أي شيء من وعود إدارة بايدن لها؟!”.
وخلص الميرازي إلى ضرورة أن نتمسك بإبقاء الشكوى الحالية في يد جنوب أفريقيا وليس السلطة الفلسطينية أو أي دولة عربية، قائلاً: “فلتبقَ الدعوى بيد جمهورية جنوب أفريقيا أفضل، لأنها تبدو للأسف، إذا عُرّبت خُرّبت أو أُجّلت!”.
يشار إلى أن محكمة العدل الدولية ستبدأ النظر في الشكوى المقدمة من جنوب أفريقيا يوم الخميس الـ11 من كانون ثان/ يناير 2024، وسط اهتمام عالمي واسع، وقلق إسرائيلي بالغ، حيث أعلنت تل أبيب أنها ستوفد القاضي السابق في المحكمة العليا الإسرائيلية، أهارون باراك، للمشاركة في جلسة الاستماع أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي.
يجب أن نتوقف عن مطالبة الدول العربية بالانضمام إلى جنوب أفريقيا في الدعوى المرفوعة بمحكمة العدل الدولية ضد إسرائيل لوقف أعمال الإبادة الجماعية في غزة. فهناك سوابق تاريخية لدعاوى العرب أمام المحكمة وماذا حدث لها عند التعرض لمساومة واشنطن ووعودها.