النقل الأخضر ليس حلما بيئيا … بل سياسة وطنية قيد التنفيذ

النقل الأخضر ليس حلما بيئيا … بل سياسة وطنية قيد التنفيذ

بقلم : طارق راتب عبيدات.

 

يشكّل قطاع النقل البري في الأردن أحد أبرز القطاعات المؤثرة في البيئة والاقتصاد الوطني، إذ يسهم بما يقارب 42% من إجمالي الانبعاثات الكربونية، وفق تقديرات وزارة البيئة لعام 2024. ويُعد هذا القطاع العمود الفقري للحياة اليومية والتنمية الاقتصادية، لكنه أيضًا أحد أبرز التحديات التي تواجه جهود التحول نحو الاستدامة.

حتى نهاية عام 2024، بلغ عدد المركبات المسجلة في الأردن نحو 1.9 مليون مركبة، منها ما يقارب 1.3 مليون في العاصمة عمّان وحدها. وتشير البيانات إلى أن 77% من هذه المركبات سيارات خاصة، في حين يشكل النقل العام بمختلف أنماطه حوالي 7% فقط من إجمالي الرحلات اليومية.

يعتمد أكثر من 80% من الأردنيين على السيارات الخاصة للتنقل اليومي، ما يؤدي إلى ازدحام مروري مزمن وتزايد في معدلات استهلاك الوقود التي تتجاوز 1.5 مليار لتر سنويًا، وانبعاثات تتعدى 5 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا.

وكما هو معلوم ، تتوزع منظومة النقل العام بين الحافلات الكبيرة والمتوسطة و”السرفيس” وسيارات الأجرة حيث يبلغ عدد الحافلات العاملة حوالي 4,500 حافلة، بينما يعمل نحو 17,000 مركبة “سرفيس” و12,000 سيارة أجرة. إلا أن القدم التشغيلي وضعف التنظيم والمسارات غير المنتظمة ما زالا من أكبر التحديات، رغم مشاريع تطوير مثل الباص السريع في عمّان والزرقاء.

في حين يمثل الشحن البري أكثر من 90% من حركة البضائع المحلية والإقليمية، عبر حوالي 20 ألف شاحنة مسجلة. ومع غياب سياسات لتحديث أسطول الشحن وتشجيع النقل المزدوج كالنقل السككي، تبقى كفاءة الطاقة منخفضة والانبعاثات مرتفعة.
وفي الوقت الذي بدأت فيه المملكة تشهد اهتمامًا متزايدًا بالتكنولوجيا في النقل، مثل تطبيقات الحجز الذكية وخدمات المشاركة في الركوب، إضافة إلى توسع محدود في المركبات الكهربائية والهجينة، التي بلغت نسبتها مجتمعة نحو 9% من إجمالي المركبات (أي ما يقارب 160 ألف مركبة). ومع التوجهات الحكومية لتوسيع البنية التحتية لمحطات الشحن، يُتوقع أن تتجاوز النسبة 20% بحلول عام 2030.

ولا يخفى على أحد أن معايير الانبعاثات من أهم الأدوات التنظيمية للحد من التلوث الصادر عن المركبات. وفي الأردن، تم البدء بمراجعة لمواصفات استيراد وتشغيل المركبات لتتوافق مع المعايير الأوروبية الحديثة مثل “يورو 6”.

ويلزم حاليا من أجل التحديث اتخاذ عدد من الاجراءات :
– فرض فحوصات فنية دورية إلزامية لانبعاثات المركبات القديمة.
– وضع حدود قصوى لاستهلاك الوقود للمركبات الجديدة.
– تقديم حوافز جمركية وضريبية للمركبات الاقتصادية في استهلاك الطاقة.
– وتشجيع استخدام الوقود النظيف (مثل البنزين الخالي من الرصاص والديزل منخفض الكبريت).

إن تطبيق هذه الإجراءات من شأنه أن يخفض الانبعاثات من قطاع النقل بنسبة 15–20% خلال خمس سنوات، ويحسّن كفاءة استهلاك الوقود الوطني بما يعادل 100 مليون لتر سنويًا.

وقد أشارت دراسات البنك الدولي إلى أن تحسين كفاءة النقل يمكن أن يوفر أكثر من 300 مليون دولار سنويًا من فاتورة الوقود المستورد، ويخفض التكاليف الصحية الناتجة عن تلوث الهواء بنسبة تصل إلى 25%. كما أن التحول إلى النقل الكهربائي قد يؤدي إلى توفير 1.2 مليون طن من الانبعاثات الكربونية سنويًا بحلول عام 2035.

بات اليوم ، “النقل المستدام ليس رفاهية بيئية، بل استثمار في صحة المواطن واقتصاد الدولة.”
إن تحقيق نقل بري مستدام في الأردن لم يعد رفاهية بيئية، بل استثمار في مستقبل نظيف واقتصاد قوي ومجتمع صحي. ويكمن النجاح في التنسيق المؤسسي بين وزارات البيئة والنقل والطاقة والبلديات، وفي إشراك المواطن كجزء من الحل، لا مجرد متلقٍ للسياسات. إن الطريق نحو النقل المستدام هو طريق نحو أردن أكثر خضرة ومسؤولية، يوازن بين متطلبات التنمية وحماية البيئة للأجيال القادمة.

Read Previous

ريال مدريد يسقط برشلونة وينهي هيمنته على الكلاسيكو

Most Popular