العشائر الأردنية .. ليست صندوق بريد !!
ما حدث مؤخرًا في حرم الجامعة الأردنية من مشاجرة بين مجموعة من الطلبة، هو حدث مؤسف لا يليق بمكانة الصرح الأكاديمي الأكبر في الوطن، ولا بما تمثله الجامعة من وعيٍ وعلمٍ وانفتاحٍ ، لكنه في الوقت نفسه لا يجوز أن يتحول إلى ساحة للتجريح أو منصة لتشويه العشائر الأردنية أو تحميلها وزر فعلٍ فرديٍّ عابر .
إنّ العشائر الأردنية التي صنعت تاريخ هذا البلد وبنت أسسه الأولى في الكرامة والوفاء والتضحية، لا يمكن أن تُختزل في صورة مشاجرة بين مجموعة من الشباب ، فهي التي كانت – ولا تزال – مظلةً للسلم الأهلي وملاذًا لفضّ النزاعات وركيزةً للكرم والنخوة والشهامة التي اتسقت مع منظومة الدولة والقانون .
لقد نشأت العشائر الأردنية على مبادئ الشرف والصلح والإصلاح ، وكان رجالاتها دعاة خير وسعاة وفاق في كل خلاف ، وإذا ما وقع حادث بين أفراد ينتمون إلى عشيرتين، فإنّ ذلك لا يعني أنّ العشيرتين هما طرفا نزاع بل هما – في الغالب – أول من يسعى لاحتواء الأمر وإصلاح ذات البين .
ولا يليق بعد كل هذا التاريخ من العطاء والوفاء أن تُستَخدم مثل هذه الأحداث الفردية كمنبر للطعن أو كذريعة لتصفية حسابات تتعلق بملفات أخرى !! كالقبول الجامعي أو الخلفيات الاجتماعية فهذه محاولة لخلط الأوراق وتشويه الوعي العام .. والواجب أن نميّز بين السلوك الفردي والهوية الجمعية للمجتمع .
إنّ الأردني ابن العشيرة، هو ذاته ابن الدولة والقانون وما بينهما من انسجامٍ هو ما جعل الأردن وطنًا مستقرًّا متماسكًا وسط عواصفٍ أنهكت غيره ، فلا يجوز أن نُفرّق بين الانتماء للعشيرة والانتماء للوطن فالعشيرة مدرسة القيم والوطن هو الحاضنة الكبرى لتلك القيم .
فلنكن منصفين ولنعالج الحدث في حجمه الطبيعي لا أن نُضخّمه على حساب كرامة عشائرٍ عُرفت بأنها درع الوطن وسنده ، ولْيكن إصلاح الفكر الجامعي بالتربية والتعليم والنقاش لا بإلقاء اللوم على مكوّنٍ اجتماعيٍّ أصيلٍ حفظ وحدة الأردن وسلامتهِ على مدى عقود .
لا يجوز وَمِن غيرِ المقبول أن تتحول هذهِ الحادثة لصندوق بريد يتبادل البعض مِنْ خلاله رسائل معروفة للجميع ومفهومة غاياتها وأهدافها .. العشائر الاردنية لَمْ تكُن يومًا إلّا السيف القاطع بيد الوطن ، فلا تُحَطِّبوا على أكتافها كثيرًا .
المحامي فضيل العبادي
