
قمة شرم الشيخ .. لماذا ؟؟
لم يكن ما حدث في قمة شرم الشيخ حدثًا عابرًا يمكن أن يمرّ كغيره من الأحداث السياسية .. ما جرى كان أقرب إلى إهانة علنية للكرامة العربية والعالمية .. إهانة لم تُصِب الحاضرين وحدهم .. بل أصابت الشعوب في الصميم .
تابع الجميع ما قيل وما حدث .. لا بعيون التحليل السياسي بل بقلوبٍ شَعَرَت بالمهانة .
لَمْ يكن مُهماً إن تكونَ الشعوب راضيةً أو غاضبةً مِنْ القادة .. أو مختلفين مَعَهم أو مُتفقين .. .
حينَ تُهان الرموز أمام العالم تتوجّع الشعوب قبلهم .. وحين تُقال الكلمات الجارحة على الملأ يسمعها المواطن العادي وكأنها قيلت في وجهه هو !!
دخل الرئيس الأمريكي القاعة متأخرًا عن الجميع .. وتحدث بلهجةٍ استعلائيةٍ تخلو من اللياقة الدبلوماسية .. كان يوزّع كلماته كما تُوزّع أوراق الامتحان على التلاميذ .. يمزج المديح بالإهانة .. والمزاح بالسخرية .. يتحدث عن المال .. المظاهر .. الأحذية .. وكأنّ هذا أقصى ما شاهدهُ في الموجودين .. وعن “النظام” وكأنه يُذكّر الآخرين بمنزلتهم الدنيا في حضرته .
تجاهل يدًا ممدودة للمصافحة وغازلَ سيدة موجودة .. وإمتدحَ حذاءاً .. وإنتقدً بلدًا على سوء إدارة ثرواته .. كانت لحظات قصيرة .. لكنها كشفت الكثير .
في تلك اللحظات لم يكن العرب يشاهدون قمةً سياسية .. بل مشهدًا من الازدراء المقنّع الذي يُلبس نفسه ثوب “ الزعامة .”
والأكثر إيلامًا من كلمات الاستعلاء كان الصمت الذي قابلها .. ابتساماتٌ متكلّفة .. نظراتٌ متوترة .. وهدوءٌ ثقيل جعل المشهد يبدو كأنه قبولٌ غير معلن بالإهانة .. لكنّ الشعوب لم تستوعب هذا المشهد !! .
قَدْ نختلف مع حكّامنا ألف مرة .. لكن لا نقبل أن نراهم يُهانون ولو مرة واحدة .. لأن الإهانة حين تُقال في حضرة العالم، لا تُصيب شخصًا بعينه ولا رئيسًا بذاته .. بل تسقط على الرأس الجمعي لأمةٍ اسمها العرب .
قد لا يحبّ الناس قادتهم وقد ينتقدونهم علنًا
لكنهم يرفضون أن يُمسّ كيان الدولة التي تمثلهم .
الكرامة ليست مجاملة للحاكم .. بل دفاع عن الذات .. هي الغريزة التي تجعل العربيّ حتى وهو في أقصى فقره يرفع رأسه عاليًا حين يشعر أن أحدًا يتحدّث إليه بازدراء .
ولهذا كان ما جرى في القمة مؤلمًا لأنه لامس هذا الجزء العميق في الوعي الجمعي للعرب .. ذلك الشعور بأننا رغم ضعفنا وتراجعنا ما زلنا نستحق الاحترام .. .
لقد كانت قمة شرم الشيخ مرآةً كشفت وجوهًا كثيرة .. لكنّها في الوقت ذاته أيقظت ما ظنّه البعض قد مات .. الغيرة والكرامة .. .
قد تُسكِت السياسة الألسن .. لكنّ القلوب لا تَسكُت .. وقد تمرّ الأيام وننسى التصريحات والمصافحات .. لكننا لا ننسى الإهانة .
ما جرى لم يكن مجرد لحظةٍ سياسية بل جرحًا نازفًا سيبقى شاهدًا على زمنٍ حاول فيه الاستعلاء أن يهين الكرامة .. قَدْ ننحني ولكنّ هَذهِ الانحناءة لَنْ تطول وإنَّ غدًا لناظره لقريب .
المحامي فضيل العبادي