
اخبار ع النار-غيّب الموت الصحفي البريطاني ديفيد هيرست عن عمر (89 عاما)، بعد قرابة 5 عقود من الكتابة المتخصصة عن الشرق الأوسط، وتغطية التغييرات الدراماتيكية فيه، ورغم شخصيته التي اتسمت بالهدوء، فإن مقالاته العميقة والجريئة كانت مفتاحا لفهم الاضطرابات في المنطقة، وفق وصف صحيفة الغارديان البريطانية، التي بدأ العمل معها عام 1964.
وبحسب الصحيفة التي نعت هيرست، فقد قضى الصحفي المخضرم وزوجته العقد الأخير من حياتهما في فرنسا، يشاهدان كل مساء أخبار وتحليلات قناة الجزيرة، التي كان يصفها بأنها “جيدة وصادقة للغاية”.
نقده لإسرائيل
وكان أسفه الوحيد -وفق الغارديان- بعد تشخيصه بمرض السرطان (توفي بسببه) هو ضيق الوقت أمام إنهاء الطبعة الجديدة من كتاب “السلاح وغصن الزيتون: جذور العنف في الشرق الأوسط”، الذي أحدث عاصفة عند نشره لأول مرة عام 1977 (تبعته طبعات محدثة في عامي 1984 و2003)، ووصفته مجلة “نيو ريبابليك” الأميركية بأنه “أكثر الكتب المعادية لإسرائيل التي نُشرت باللغة الإنجليزية”.
وعلقت الصحيفة بأن ذلك لم يكن مفاجئا لها، إذ كانت تتلقى انتقادات دورية من مسؤولي السفارة الإسرائيلية لما اعتبروه تغطية متحيزة من هيرست.
وفي مقال كان عنوانه “هل إسرائيل في طريقها إلى الجنون؟” ونُشر في “ميدل إيست آي” في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، عاد هيرست إلى منتصف القرن الأول الميلادي وأيام الحرب بين “المتطرفين والهلينيين”، واصفا الصهاينة المتدينين في إسرائيل اليوم بالمتطرفين.
وتنبأ في المقال بانتهاء إسرائيل جراء الانقسام الداخلي، كما حدث أثناء الصراع مع الرومان، “كان آنذاك انقساما مجتمعيا جوهريا، لا يختلف عن ذلك الذي يحدث في إسرائيل اليوم، ومساهما حاسما في الكارثة النهائية، الغزو الروماني، وتدمير الهيكل، والتشتت النهائي لليهود في منفاهم لقرون قادمة”.
انتقاد عرفات والثناء عليه بالوقت نفسه
وواكب هيرست حرب حزيران عام 1967، والحصار الإسرائيلي لبيروت عام 1982، وكان من بين الصحفيين القلائل الذين قاموا بتغطية الأحداث من مدينة حماة السورية عام 1982.
وفي تقرير له عام 2011، انتقد هيرست الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وتحدث عن “رغبته المهووسة في السيطرة والهيمنة الشخصية، وتدخله في أدق تفاصيل الإدارة، ومكره وغرابة أطواره، وتفضيله للولاء على الكفاءة، واستعداده على الرغم من عدم اهتمامه بالثروة والرفاهية، لاستغلال ضعف من حوله، الذين يهتمون بذلك، من خلال المحسوبية والفساد”.
ومضى قائلا إن الزعيم لعب “دور المتعاون الذي تتطلبه منه اتفاقيات أوسلو”، كما أثنى عليه بالقدر نفسه واصفا عرفات بـ”الشجاعة الجسدية في مواجهة الخطر المميت، والتفاني والاجتهاد، والعمل حتى الساعة 4 صباحا”.
وتميز هيرست بخبرته الواسعة في المنطقة وعمق تحليلاته، وبحسب وصف زملائه “كان قادرا على إسكات غرفة مليئة بالصحفيين الصاخبين وهو يشرح أفكاره بهدوء”.
وكان هيرست هدفا مرتين للمليشيات الشيعية في بيروت بالثمانينيات، التي اشتهرت بخطف الغربيين، لكنه كان هادئا ومحظوظا، فتمكن من الهرب. ونجا بأعجوبة في إحدى المرات، بعد أن تم حشره في سيارة، حيث قفز منها عندما توقفت لبرهة، وتدافع عبر حشد من الناس، وركض نحو أحد الأزقة واستقل سيارة أجرة.
نشأته حتى وفاته
ولد في إنجلترا عام 1936، ونشأ في أسرة إنجليزية من الطبقة المتوسطة، وقضى عامين في الخدمة الإلزامية بين عامي (1954-1956) برتبة جندي في مصر وقبرص، حيث كان القبارصة اليونانيون يقاتلون من أجل إنهاء الحكم الاستعماري البريطاني. ودرس هيرست في جامعة أكسفورد، قبل أن يعود إلى الشرق الأوسط كطالب في الجامعة الأميركية في بيروت حتى عام 1963، وأصبح يتقن اللغة العربية.
وفي العام التالي، بدأ الكتابة لصحيفة الغارديان، من مقره في بيروت وقبرص، واستمر في ذلك حتى عام 2001، وبعد ذلك قدم مساهمات من حين لآخر، إلى عام 2013.
ومن بين الصحف الأخرى التي كتب لها “كريستيان ساينس مونيتور”، وآيرش تايمز، و”سانت بطرسبرغ تايمز” في فلوريدا، ونيوزداي، و”سان فرانسيسكو كرونيكل”، وديلي ستار في لبنان. وتزوج عام 1995 من أمينة، وهي عالمة أنثروبولوجيا اجتماعية من أصل مصري.