إمارة الخليل .. البداية والنهاية !!

إمارة الخليل .. البداية والنهاية !!
منذ بدايات القضية الفلسطينية شكّلت مدينة الخليل واحدة من أبرز الميادين التي حاولت القوى الاستعمارية والاحتلالات المتعاقبة أن تجعلها نقطة انطلاق لمشاريع تفكيك الهوية الوطنية ، ليس لأن الخليل كانت الخاصرة الرخوة للفلسطينيين بل لأنها كانت في نظر المحتلّين بوابة التجريب ، حيث البنية العشائرية الراسخة والنسيج الاجتماعي المتين وميزان النجاح أو الفشل ، ومع كُلّ ذلك فإنَّ ما أثبته التاريخ أن الخليل لم تكن سببًا في تمرير هذه المشاريع بل كانت في كثيرٍ من الأحيان السدّ الذي أفشلها .
في عهد الانتداب البريطاني ومع صعود المجلس الإسلامي الأعلى برئاسة الحاج أمين الحسيني حاولت بريطانيا دعم زعامات محلية وعائلية لتقليص نفوذ القيادة الوطنية فَعَمِلت على إنشاء ما عُرف بـ”لجان السلام” في القرى والمدن الفلسطينية وذلك خلال الثورة الفلسطينية ما بين أعوام ( 1936 – 1939 ) ومنها الخليل وتسليح الوجهاء المحليين ضد الثوار ، لكن هذه اللجان لم تصمد وسرعان ما لفظها المجتمع الفلسطيني باعتبارها أدوات استعمارية لا تمثل إرادته .
بعد النكبة تكررت محاولات السيطرة على القرار الفلسطيني في الضفة الغربية عبر المجالس البلدية المرتبطة بالدول الأخرى وفي غزة عبر الحاكم العام المصري وكان لها نوع مِنْ القبول لإرتباطها بدول عربية ، إلا أن التجربة الأوضح جاءت مع إسرائيل في أواخر السبعينيات حين أُسست أول رابطة للقرى في الخليل عام 1978برئاسة مصطفى دودين وحظيت هذهِ الروابط بتمويل وتسليح وصلاحيات إدارية واسعة وكان الهدف تقديمها كبديل عن منظمة التحرير ، لكن أهل الخليل كما بقية الفلسطينيين رفضوا المشروع وقاطعوه وهاجموه مما أدى إلى انهيار الاتحاد الرسمي لهذهِ الروابط في عام 1984.
واليوم في صيف 2025 عادت الخليل إلى الواجهة بعد رسالة وقعها الشيخ وديع الجعبري وأربعة آخرون من شيوخ المدينة يطالبون فيها بالاعتراف الكامل بإسرائيل والدخول في إطار “إمارة الخليل” كجزء من مشروع “الإمارات الفلسطينية” الذي يروّج له الأكاديمي الإسرائيلي مردخاي كيدار منذ سنوات برسالة دعت إلى الانضمام لاتفاقيات أبراهام واعتبرت أن اتفاقية أوسلو جلبت الدمار والفساد ، لكن هذه الرسالة لم تجد صدى حقيقيًا لها داخل الخليل بل قوبلت برفض واسع وأصدرت عشيرة الجعبري نفسها بيانًا أكدت فيه أن الموقعين لا يمثلونها وأن موقفها ثابت في دعم الوحدة الوطنية والدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس .
مشروع “الإمارات الفلسطينية” يقوم على تقسيم الضفة الغربية إلى كيانات مدينية ( مدينة ) صغيرة ( الخليل ، نابلس ، جنين ، طولكرم وأريحا…) مع بقاء الأرياف ومعظم الأغوار تحت السيطرة الإسرائيلية ، هو نسخة مطورة من “روابط القرى” وامتداد لفكرة “لجان السلام” البريطانية والهدف واحد : تفتيت الهوية الوطنية الفلسطينية واستبدال القيادة الجامعة بزعامات محلية قابلة للتفاوض والعمالة للاحتلال ، لكن كما أفشلت الخليل التجارب السابقة فإن الرفض الشعبي الواسع لهذه الرسالة والتاريخ الطويل من المقاومة يؤكد أن “إمارة الخليل” ليست إلا حلقة جديدة في سلسلة مشاريع ستسقط كما سقطت سابقاتها .
الحقيقة التي يجب أن تُقال بوضوح : الخليل لم تكن يومًا سببًا في تفكيك الحركة الوطنية بل كانت دائمًا مختبرًا للمشاريع الخارجية وغالبًا مقبرة لها ، وما بين لجان السلام البريطانية وروابط القرى الإسرائيلية ومشروع الإمارات اليوم ، يظل الثابت الوحيد أن الفلسطينيين يملكون الوعي الكافي لرفض هذه الصيغ المصطنعة .
لا عيب في أن تكون الخليل ساحة التجريب ولا خجل في أن تكون هي أيضًا ساحة السقوط لهذه المشاريع ، فالتاريخ يحفظ جيدًا أن الخليل مدينة واجهت الاحتلال ، وصمدت أمام محاولات التفتيت وستظل كذلك .
المحامي فضيل العبادي

Read Previous

مجلس الجامعة العربية يدعو لدعم القدس وزيارتها لكسر الحصار

Read Next

عشرات الآلاف يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى

Most Popular