
إسرائيل الكبرى.. الحلم التوراتي الذي يهدد الأردن والمنطقة !!
منذ أن تشكّلت الحركة الصهيونية على يد تيودور هرتزل، وهي تحمل في جوفها مشروعًا أكبر من فلسطين المحتلة اليوم ، مشروع اسمه في النصوص التوراتية “أرض إسرائيل”يمتد — كما جاء في سفر التكوين . (15:18) — “من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات”
هذه ليست أسطورة تُروى في المعابد فقط، بل عقيدة راسخة في أذهان التيار الديني المتشدد في إسرائيل، تحوّلت مع الزمن إلى هدف سياسي يُطبَّق خطوة خطوة، دون إعلان شامل، وإنما بزحف متدرج، كما تفعل النار حين تأكل الهشيم .
التاريخ يروي أن هذه الفكرة لم تبقَ في الكتب، بل وجدت طريقها إلى السياسة منذ المؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897، وتكرست بعد حرب 1967 حين احتلت إسرائيل الضفة الغربية وغزة وسيناء والجولان. ومنذ ذلك الحين، بدأ بعض قادة إسرائيل يلوّحون بخريطة أكبر، تضم الضفة والأردن وأجزاء من سوريا والعراق، تحت مسمى “أرض الميعاد” .
إسرائيل لا تخفي أطماعها ، مناحيم بيغن قالها بوضوح: “لن تكون هناك دولة فلسطينية أبدًا”ومسؤولون آخرون لمحوا إلى أن الأردن هو “فلسطين” وَلَم وَلَن يكون نتنياهو آخِرَهم ، هذا ليس كلامًا عابرًا، بل سياسة يُمهَّد لها بالاستيطان، بتهجير الفلسطينيين، بفرض الوقائع، وباختراق المنطقة سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا حتى دون رفع العلم الإسرائيلي على كل شبر .
الخطر على الأردن ليس وهمًا ، أي اختلال في الضفة الغربية أو دفع الفلسطينيين للهجرة شرقًا يعني تهديدًا مباشرًا للديموغرافيا الأردنية وسيادتها ، والحديث عن “الوطن البديل” لم يختفِ، بل يتجدد كلما ضعفت الجبهة الفلسطينية أو العربية ، من يتابع تسارع الاستيطان، وتقييد الوجود الفلسطيني في القدس والضفة، يدرك أن الهدف النهائي قد يتجاوز نهر الأردن .
إمكانية تحقيق هذا المشروع ليست مستحيلة، خاصة إذا بقيت المنطقة العربية غارقة في صراعاتها الداخلية، وفقدت دولها المناعة السياسية والأمنية ، إسرائيل لا تحتاج لاحتلال الدبابات دائمًا، بل تستطيع فرض “الحدود الكبرى” عبر السيطرة على القرار السياسي والاقتصادي والأمني لجيرانها .
على الأردن والعرب أن يدركوا أن هذه ليست خرافة، وأن النصوص التي تبدأ في سفر التكوين والتثنية قد تتحول إلى خرائط على طاولة السياسة إذا تُركت بلا مواجهة ، الصراع ليس حدوديًا فقط، بل وجودي، وأي تقاعس أو انشغال بالخلافات الداخلية سيمنح هذا المشروع فرصة العبور من صفحات الكتب إلى أرض الواقع .
إن أمن الأردن والمنطقة لا يُصان بالمجاملات ولا بالرهان على وعود القوى الكبرى، بل بالتماسك الداخلي، واستعادة مفهوم الأمن القومي العربي، وبناء قوة سياسية واقتصادية وعسكرية تردع الأطماع قبل أن تستفحل ، وإلا فإن الغد قد يأتي بخريطة لا نحب أن نراها، لكنها ستكون قد رُسمت منذ زمن بعيد في عقول من يخططون اليوم بهدوء، وينتظرون لحظة الغفلة الكبرى .
المحامي فضيل العبادي