عَيبْ !!!
في ذروة المجاعة والموت والدمار، يخرج علينا البعض بسكاكين النقد اللاذع، موجّهين سهامهم إلى من تبقى من شعب غزة الحيّ تحت الركام، وإلى من يقاتلون بآخر ما يملكون دفاعًا عن الكرامة والحق ، تغضبهم كلمة قالها أحد الجائعين أو كَلِمة عِتاب أطلقها أحدهم من وسط النار والجوع، فينسون أن من يُحاصر منذ شهور، ويُقصف منذ مئات الأيام، ويفقد أبناءه وأهله كل ساعة، ليس عليه أن يكون دبلوماسيًا في عباراته .
تُبتر الأعضاء، يُقصف الأطفال، تُهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، ويُقتل الجائع مرتين : مرة بالجوع، ومرة بالخذلان. وبينما كان أهل غزة يعتقدون أن العرب أقرب إليهم من حبل الوريد، اكتشفوا أن الوريد جفّ، وأن حبال الإخوة انقطعت، أو هكذا بدا لهم وسط دخان الحرائق ودماء الأبرياء .
هل أخطأوا حين صرخوا؟
هل تجاوزوا حين سألوا؟
هل يستحقون أن نُشهر خناجرنا ونحاسبهم على صرخة ألم أو كلمة عتاب؟
إن من يعيش الموت لحظة بلحظة لا يُطالَب بالاتزان الكامل في كل حرفٍ ينطق به ، ففي القانون – قانون البشر – فإن من يُجبره الجوع والخوف على سلوكٍ ما يُعفى من المسؤولية ، فكيف نُريد من طفلٍ مفجوع أو مقاوم مطارد أن يتقن حساب المفردات، في الوقت الذي تُنتَهك فيه كل معايير الإنسانية من حوله؟
إن ما يحدث الآن في غزة ليست معركة سلاح فقط، بل معركة وعي وضمير ، أن نَقِف في وجه الضحية لأن لغته لم تعجبنا، فذلك سقوط أخلاقي لا يختلف كثيرًا عن الصمت أمام الجريمة .
العار، كل العار، على من يتصيدون كلمات الجوعى ليبرروا مواقفهم السياسية الباردة. العار على من يتوهمون أن مهاجمة المقاومة اليوم ستكسبهم رضا دولة أو سلطة أو جهة نافذة .. ألَم يسمع هولاء جلالة الملك وهو يقول ” ما نفعلهُ هوَ أقلّ القليل ” ؟ .
غزة الآن لا تحتاج سكاكين الطعن، بل تحتاج الأكتاف التي تُسند، والكلمات التي تُواسي، والمواقف التي تُنقذ .
غزة بحاجة إلى أن نقول : نحن معكم، لا عليكم .
وغدًا، عندما يتوقف القتل، عندما ينتهي الجوع، عندما تعود الحياة … لكل حادث حديث ، أمّا الآن، فمن العار أن نحاسب من يُذبح، بدلاً من أن نُسعفه .
إن السكوت خير ألف مرة من طعناتٍ توجه إلى صدور الجائعين، وإن الصدق مع الضمير خير من التزييف لإرضاء الممول أو الرقيب .
فلا تطعنوا الجائع في خاصرته …
فإنه يموت واقفًا لأجلنا جميعًا …
الآن لا وَقتَ للعتب .. لَوْ كانَ الجوع رجُلاً لقتلته .. .
المحامي فضيل العبادي
