أعيدوا لَنا جاهِليتنا !!

أعيدوا لَنا جاهِليتنا !!
ليتنا نعود إلى جاهليتنا.. تلك التي طالما وُصفت بالظلام والتخلف، لكنها – رغم كل ما قيل عنها – كانت تنبض شهامة ، وتفيض نخوة، وتُقيم الدنيا ولا تقعدها إذا ضاع حق، أو جاع جار، أو استُغيث بقومٍ في شدة .
كانت الجاهلية تأنف أن تُهان امرأة، وترفض أن يُذلَّ أسير، وتغضب إذا اشتدت الوطأة على قومٍ في شعبٍ أو حصار .. .
حين حُوصِر بنو هاشم في شعب أبي طالب ثلاث سنوات، وجاعوا حتى أكلوا ورق الشجر، كان من بين من وقف لكسر هذا الحصار رجال من أهل الجاهلية … من الكفار… ممن لم يؤمنوا برسالة، لكنهم آمنوا بشرف الخصومة، وَصِلَة الدم وبأن للإنسان كرامة لا تُداس حتّى في الحروب .
أبو جهل – الذي جعلوه رمزًا للضلال – رفض أن يداهم بيوت النساء ليلًا وقال : “لا تفعلوا، فيقول العرب : روّع أبو جهل نساء قريش !! .
أبو جهل خشي أن يُقال عنه إنه أفزع امرأة !! وأخاف طفلًا .. .
أما اليوم ..
اليوم تُقصف النساء في غزة على مرأى ومسمع العالم، يُقطع عنهم الماء، يُمنع عنهم الدواء، يُدفنون تحت الركام، ولا أحد من العرب يهتز له جفن .
جائعو غزة يموتون وهم يبحثون عن حفنة طحين، وأطفالهم يُحرقون بنار الحصار ،
وما من زعيم غضب، ولا أمير تحرّك، ولا جيش اهتزت له نخوة .. .
حاتم الطائي – الجاهلي – ذبح فرسه ليطعم الجياع ..
أما نحن، فتتخمنا الموائد، ونغرق في فائض الطعام، ونعجز أن نرسل رغيف خبز أو زجاجة ماء لغزة .. .
صرنا نخجل من نخوتنا، نخجل من صوتنا، نخجل من دمنا العربي !! .
لم نعد نملك حياء الخوف من التاريخ ، لم نعد نخشى أن يُقال : صمتوا، وهم يرون إخوتهم يُذبحون .
نعيش مرحلة من الذل لم يعرفها تاريخ هذه الأمة ، ولا هي تشبه ذل الأسر، ولا ذل الاحتلال، ولا حتى ذل التبعية ، إنّه ذل الصمت، ذل التبرير، ذل ما بعد الخيانة .
ليتنا نعود لجاهليتنا ..
ليتنا نعود إلى زمنٍ كان الجار فيه لا يُخذل، وكان السيف يُشهر لأجل امرأة ، وجيوش تزحف لكلمة .. الكلمة تُطلق لنصرة المظلوم، لا تقييدًا للمكلوم ..
ليتنا نعود لجاهليتنا ..
فهي – برغم ضلالها – كانت أنبل من حاضرٍ غارق في الكذب، ونفاق حدّ المهانة !! .
المحامي فضيل العبادي

Read Previous

الأمن: الكاميرات الذكية أظهرت استخدام حزام الأمان بنسبة 97.4%

Read Next

الملكة تعيد نشر رسالة من الأونروا بشأن غزة

Most Popular