
ماذا نحنُ فاعلون ؟؟
لم يعد المشهد بحاجة إلى محللين، ولا إلى قراءات استباقية لخرائط متغيرة أو صيغ مبهمة ، القضية أوضح من أن تُحلّل، وأكثر فجاجة من أن تُجمّل ، إسرائيل ليست فقط دولة احتلال بل مشروع هيمنة وإعادة تشكيل للمنطقة وفق مقاسها ومصالح من يدعمها .
في العلن وعلى رؤوس الأشهاد ،قالها كبار قادتها ، وقالها أيضاً شركاؤها في السياسة والقرار : لا دولة فلسطينية ولا عودة للحدود ولا مكان للضعفاء .
أما المقولة التي اختزلت كل شيء، فهي تصريح ألرئيس الامريكي حين وصف إسرائيل بأنها “دولة صغيرة ” وكقلم الرصاص على الطاولة !! والمعنى ليسَ في بطنِ الشاعر بَل في عَقلِ الرئيس !! ، تبدو الجملة عادية في الظاهر، لكنها تكشف عمق الواقع المرير ، ما جَعَلَ هذهِ “الدولة الصغيرة” قوية ، هو أن المحيطين بها باتوا صغارًا بالمعنى الحقيقي : صغارًا في الإرادة ، في السيادة وفي فهم اللحظة .
العالم العربي – أو ما تبقّى منه – يتآكل من الداخل ، تحوّلت دُوَلهِ إلى ممالك وطوائف سياسية وجغرافية ومصلحية ، كلٌّ فيها يُخاصم جاره ، ويتوجس من أخيه ، ويُحاصر شعبه قبل أن يُفكّر في مواجهة عدوّه ، الشرق ضد الغرب ، الجنوب غاضب من الشمال ، والوَسَط يرفع يده للأطراف .. وهكذا تدور الدائرة .
أما الزعماء !! فجلّ همّهم الحفاظ على الكراسي .. الكراسي التي يروها اليوم ثابته وهيَ في الحقيقة هشة ، ترتجف من سؤال مشروع !! ومن صوت نزيه !! ومن رأي مختلف !! .
لا مشروع وطني ، ولا أفق سياسي ، ولا سيادة تُصان .. كل شيء مؤجل إلى حين .. .
والشعوب؟
غارقة في الجدالات التافهة ، مستنزفة في معارك هامشية ، تُحرّكها أجهزة الإعلام كما تشاء ، وتُقيّدها المخاوف المصنوعة بعناية .
أصبح المواطن العربي يُستهلك في الصراع على التفاصيل : على الاسم ، والمذهب ، واللباس ، واللهجة .. فيما تُسلَب الأرض والكرامة فوق الطاولة .
ويبقى السؤال :
كيف لدولة “صغيرة” أن تُرعب الجميع؟
كيف تتحكم بالمياه والسلاح والاقتصاد والقرار السياسي في أكثر من عاصمة؟
الجواب ليس في قوتها، بل في ضعف غيرها .
ما لم يدركه الزعماء العرب بعد، هو أن الركون للوهم لا يُعفي من الاستحقاق، وأن الغفلة عن الخطر لا تُجنّب المصير ، ومن يظن اليوم أن دوره لم يحن !! سيندم غداً حين يُدقّ بابه !! .
ومن يجلس مطمئنًا على الكرسي، لا يعلم أن الأرض تحته لم تعد ثابتة !! وما لم تدركه الشعوب بعد، هو أن صراعها الداخلي لا يُنتج وطناً، وأن من لا يواجه المحتلّ بوضوح الوعي، لا صخب الشعارات، سيُبتلع في النهاية، وقد لا يجد أحدًا لينقذه .
نعم، من لا يرى من الغربال أعمى.
ومن لا يستيقظ الآن، فاستيقاظه لاحقًا سيكون في زمن لا قيمة فيه للوعي، ولا مكان فيه للكرامة .
المحامي فضيل العبادي