
يا معالي الوزير .. أتعَبْتَ الدولة كثيراً !!
الدولُ لا تُبنى بالعاطفة ولا تُدار بالرغبات الشخصية ولا تنهض بالقرارات المزاجية ، التي تَصدُر لإشباع شعور بالنقص أو لإثبات حضور لم يُطلب ، الدول تُدار بالمؤسسات ، بالقانون ، بالتراكم الإداري وبالحكمة والتجربة ، والدولة الأردنية ليست طارئة ، ولا هي نتاج اللحظة ، عمرها يزيد على المئة عام ، وعمر مؤسساتها أعرق من كثير من دول الجوار، ورجالها الأوائل من طراز دولة لا يُنسى ، لا في النزاهة ولا في الرؤية فقط بل وفي تقدير العواقب .
لكن ما نراه اليوم – بكل أسف – هو اجتياح لمفهوم الدولة الحديثة من قبلِ أشخاص اختلطت عليهم مفاهيم الإدارة العامة ، فباتوا يرون في المنصب فرصةً للعبث ، لا مسؤوليةً تستدعي التأنّي ، قرارات ترتجل بلا تشاور، تُفرض بلا دراسة ، وتُسوّق عبر منصات الإعلام لا عبر قنوات المؤسسات الرسمية ، وكأن المقصود هو إصدار القرار ذاتهِ ، لا نتائجه ، وكأن الكرسي أعلى من الدولة والمزاج الشخصي أقدس من النص القانوني !! .
يا معالي الوزير … الدولة الأردنية ليست مختبرًا للتجارب الإداريةِ ، ولا ساحة لتجريب الأفكار غير الناضجة ، وقراراتكم تُرهق مؤسسات الدولة ، وتُشغِلها عن دورها الحقيقي ، أصبحنا نرى الأجهزة والدوائر المختلفة تتفرغ لإطفاء الحرائق التي تُشعِلها قراراتك ومزاجيتك ، بدل أن تنصرف إلى أهدافها ورؤاها وخططها المرسومة والموضوعة ، من يُصلِحَ ما أفسده قراركَ المُرتَجلْ ؟ من يتحمّل كلفة الوقت والمال والجهد ؟ من يعوّض المجتمع عن إرباك القرار الواحد ؟ .
نحن لا نعارض إصلاح أو تحديث أو رغبة في التغيير ، ولكننا نعارض التسرّع ، نقاوم القفز عَنْ الأصول ، نُهاجم ضربِ النصوص بعرض الحائط ، على تجاوز المؤسسات ، على تغييب الرأي الآخر، وعلى اختزال الدولة بِشَخصك الكريم !! ، قرارات الدولة ليست إعلانًا فرديًا ، بل خلاصة نقاش وخبرة واطلاع على ما وراء الجدران .
يا صاحب المعالي !!
الأردن أغلى من أي منصب ، وأثمن من أن يكون ثمنًا لقرار اعتباطي ، إنتَ لا تُدير شركة خاصة بل دولة ، ولا تُمارس هواياتك بالرسمْ ، أنتَ تترك أثرًا في مؤسسات عمرها من عمر الوطن ، فإن كنتَ تملك القلم ، فتذكّر أن ما تكتبه قد تمحوه مؤسسة وقد تُصححه جهة ما ، لكنه سيظل شاهدًا على الكيفية التي أُدير بها القرار .
هناك كثير من الإجراءات التي نستطيع اتخاذها ، هناك أدوات ديمقراطية وقانونية ودستورية وشعبية تحفظ للدولة وزنها ، وتحاسب من يتجاوز منطق الدولة إلى منطق الهوى ، ولكننا وبكل صدق ، نخشى على الأردن ، ونخاف أن تدمع عين الوطن .. فيبكي كل الأردن ، فرفقًا بهذا الوطن الذي لم يتألم إلا حين قرّر بعض أبنائه أن يُديروه كأنهم وحدهم فيه .
المحامي فضيل العبادي