
قرار حل المجالس المحلية في الأردن : هل التزمت الحكومة بالقانون ؟
في 6 تموز 2025 صدر عن مجلس الوزراء الأردني قرارٌ بحل جميع المجالس البلدية ومجالس المحافظات ومجلس أمانة عمّان الكبرى ، وذلك استنادًا إلى تنسيب وزير الإدارة المحلية ، وقد علّلت الحكومة قرارها بأنه يأتي “في إطار سعيها لتحديث حزمة التشريعات الخاصة بالإدارة المحلية والعمل البلدي ، وترسيخ مبدأ الشفافية والنزاهة والحفاظ على الحياد قبل إجراء الانتخابات”.
هذا القرار وإن بدا في ظاهره إجراء إداري إلا أنه يثير جملة من الإشكالات القانونية والدستورية خاصة عند الرجوع إلى نصوص قانون الإدارة المحلية رقم 22 لسنة 2021 .
تنص المادة (34/أ) من القانون على أنه “لمجلس الوزراء بناءً على تنسيب الوزير، حل المجلس البلدي قبل انتهاء مدته ، على أن يكون القرار معللاً” ، فيما تنص المادة (8/و) على أنه “لمجلس الوزراء بناء على تنسيب الوزير حل مجلس محافظة أو أكثر قبل انتهاء مدته على أن يكون القرار معللاً”.
وهنا تبرز الملاحظات الآتية :
شمولية القرار خلافًا لخصوصية النص : فالنص القانوني جاء بصيغة تسمح بحل “مجلس محافظة أو أكثر”، ما يفيد التخصيص لا التعميم، ويقتضي – قانونًا – أن يُسمّى المجلس أو المجالس التي يشملها الحل ، مع بيان أسباب كل حالة ، أما إصدار قرار بحل جميع المجالس دفعة واحدة دون تمييز أو تسبيب خاص، فيحمل شبهة مخالفة صريحة للنص وروحه .
غياب التسبيب الحقيقي : القانون اشترط أن يكون القرار “مسببًا”، أي أن يحتوي على وقائع واضحة ومحددة تستوجب الحل ، أما التبرير الذي أوردته الحكومة – والمتمثل في “ترسيخ الشفافية وضمان الحياد” – فهو تبرير عام ، مبهم ، بل ويوحي بوجود خلل في نزاهة الانتخابات السابقة ، وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة حول موقف الهيئة المستقلة للانتخاب من هذا التوصيف ، فهل هذا الطعن الضمني في الانتخابات السابقة مبرر قانونًا لحل مجالس منتخبة دستوريًا؟ أم أنّ هذا يُعتبر دافعًا لِمُحاسبة المُقصّرين في الانتخابات السابقة إذا ثبتَ صحّة ما تَدّعيهِ الحكومة ؟ .
إشكالية التجميد التشريعي والفراغ القانوني : لا يُجيز القانون تعليق العمل بنص نافذ بقرار حكومي ، ولا يجوز “تجميد” النصوص بانتظار تعديل محتمل !! ، فإذا كانت الحكومة تنوي تعديل القانون ، فهذا لا يمنحها الحق في تجاوز القانون القائم أو تفريغه من مضمونه قبل صدور القانون الجديد .
عدم تشكيل لجان مؤقتة لمجالس المحافظات : نص القانون بوضوح على ضرورة تعيين لجان مؤقتة لإدارة المجالس المنحلة وقد تم تشكيل لجان للمجالس البلدية وأمانة عمان ، إلا أن الحكومة لم تُشكّل لجانًا مؤقتة لمجالس المحافظات ، مما يُعد مخالفة صريحة ومباشرة للقانون ، ويُحدث فراغًا إداريًا وتنفيذيًا غير مبرر في واحدة من أهم مؤسسات الإدارة المحلية .
وبناءً عليه فإن قرار الحل بهذه الصيغة يحمل شبهة مخالفة قانونية مزدوجة : من حيث مخالفته لصياغة النص القانوني في المادة 8/و، ومن حيث انتهاك مبدأ التسبيب المنصوص عليه صراحة، فضلًا عن الإخلال بالإجراء المترتب على الحل (تشكيل اللجان المؤقتة) ، وهو ما يجعل القرار قابلًا للطعن القضائي من حيث المبدأ، ويضع الحكومة أمام مسؤولية قانونية ودستورية ينبغي أن تُراجعها .
القضية ليست مزاجًا إداريًا، ولا قناعة شخصية بضعف قانون ما، ولا رغبة في ترتيب البيت الداخلي قبل الانتخابات ، إنما هي مسألة احترام للمنظومة التشريعية والدستورية التي ترعى الدولة ، وصون لحق الناخب الذي منح صوته لمجالس شرعية عبر صندوق الاقتراع .
فإذا كان تحديث التشريعات ضرورة ، فإن احترام القوانين السارية أولى ، وإذا كانت الحكومة تُجري إصلاحًا إداريًا، فليكن ذلك في إطار القانون لا خارجه ، أما الاستمرار في تجاهل النصوص وتجاوز الأصول ، فلا يُنتج سوى سابقة خطيرة … تعصف بثقة المواطن في القانون ، وتُضعف أهم ركيزة من ركائز الدولة الحديثة : ألا وهيَ الشرعية .
المحامي
فضيل العبادي