
الرابحُ والخاسر .. وما بينهما !!
بدأت وانتهت الحرب في قلب الشرق الأوسط بين إيران وإسرائيل، وسط عالم يتأمل بصمت، وواقع عربي يكتفي بالمشاهدة. لم تكن الضربات الإسرائيلية على منشآت إيران النووية مجرد استعراض عسكري، بل كانت رسالة قاطعة بأن تل أبيب لا تزال تملك زمام المبادرة والهجوم. الضربات التي طالت مواقع حساسة كمفاعل ناتنز ومنشأة فردو وتبعها قصف أمريكي بصواريخ GBU الخارقة للأرض، أثبتت هشاشة الحصانة الإيرانية رغم سنوات من التحدي والاستعراض.
إيران من جانبها ردّت بطريقة تحمل أكثر من دلالة، لكنها لم تكن ردًا عسكريًا صلبًا بقدر ما كانت رسالة سياسية مضبوطة الإيقاع. إطلاق صواريخ على قاعدة العديد الأمريكية في قطر، مع إشعار مسبق لواشنطن، لا يحمل في طياته تهديدًا بقدر ما يكشف عن حدود اللعبة. المشهد بدا كـ”مباراة متفق على نتائجها”، تقصف طهران، تتلقى واشنطن، وتعلن إسرائيل الترقب، ثم يعود الجميع إلى مقاعدهم. لا قتلى، لا تصعيد، فقط رماد سياسي يحفظ ماء الوجه.
السؤال الذي يُطرح بقوة: لماذا توقفت الحرب فجأة؟ وهل امتلك الطرفان حقًا أدوات الحسم والردع؟ الظاهر أن إسرائيل قدّمت عرضًا تقنيًا عسكريًا وحققت اختراقًا مؤثرًا في البنية النووية الإيرانية، لكنها لم تستطع إجبار إيران على التراجع الكامل. وإيران، من جهتها، احتفظت بقدرة الرد ولكن ضمن حدود الخطوط الحمراء التي تتيح لها الادعاء بالصمود دون استفزاز القوة الأمريكية بشكل مباشر. ما حدث كان حربًا على الورق أكثر منها صدامًا شاملاً. واشنطن لعبت دور المخرج في هذا المشهد؛ ترامب، تحديدًا، خرج من هذه الحرب القصيرة بأرباح سياسية كبيرة، أظهر حزمه، ولبّى ضغوط اللوبي المؤيد لإسرائيل، دون أن يُدخل جيشه في مستنقع طويل. إيران أيضاً، برغم الخسائر، خرجت بحد أدنى من التوازن، ولم تتعرض لانهيار كامل، بل حافظت على قدرتها على المناورة السياسية والعسكرية.
لكن كل هذا المسرح الكبير لم يُعرض في طهران أو تل أبيب أو واشنطن فقط. كانت الساحة الحقيقية هي المنطقة العربية، وكان الغائب الحاضر في كل المعادلة هم العرب أنفسهم. فالعالم يتحرك، والصراع يحتدم، والخرائط تُرسم بالقوة، بينما العرب خارج المعادلة. لا دور لهم في القرار، لا تأثير في مسار النار، بل حتى أراضيهم، كما في حالة قطر، تُستخدم لتبادل الرسائل بين القوى الكبرى. والأسوأ، أن بعض الدول العربية تقف حائرة: هل تُدين، هل تُؤيد، هل تصمت؟ في كل الحالات، لا كلمة لهم تُسمع، ولا موقف يُحسب.
العرب هم الخاسر الأول في هذه الحرب، حتى لو لم يُطلقوا رصاصة. لأن كل جولة قتال بين طهران وتل أبيب تُدفع أثمانها في العواصم العربية. لأن كل تصعيد نووي أو عسكري يعني المزيد من التبعية الأمنية والسياسية، والمزيد من التهميش للدور العربي. في هذه الحرب، كما في كل نزاع إقليمي، تُثبت الوقائع أن من لا يملك القوة لا يملك الكلمة، ومن لا يشارك في الميدان لا يُدعى إلى طاولة القرار.
وبينما تبني طهران مشروعها بالقوة، وتفرض إسرائيل شروطها بقوة، وتدير واشنطن المعادلة من الجو، يبقى العرب في الأسفل، يتجادلون حول البيانات، ويختصمون حول المواقف، ويكتفون بالمشاهدة. إن ما جرى ليس نهاية حرب، بل تذكير صارخ بأن العالم لا ينتظر المترددين، ولا يُعير انتباها للحياد السلبي. من لا يملك القوة، لا يملك كرامته. ومن لا يملك مشروعًا، يكون جزءًا من مشروع غيره. هذه ليست مؤامرة… إنها قوانين التاريخ.
المحامي فضيل العبادي
رئيس اللجنة القانونية / مجلس محافظة العاصمة
 
								 
 
 
 
