
المؤامرة الكُبرى !!!
في قلبِ كُلّ أزمة كُبرى ، وكُلّ تحوّل سياسي مفاجئ ، وكُلّ حَدث سياسي أو حرب لا تفسير منطقي لها ، تخرج ” نظرية المؤامرة ” مِنْ الظل إلى واجهة الجدل العام ، لتضع سؤالًا وجوديًا : هل نحن أمام عالم يُدار مِنْ خلف سِتار ؟ أم أننا نبحث عَنْ شمّاعة نُعلّق عليها فَشلنا في الفهم والتحليل والمواجهة ؟؟ .
نظرية المؤامرة تشير إلى الاعتقاد بوجود قوّة خفية ، دولية أو محلية ، تُدير الأحداث وتخطط لها بشكل سري ، لتحقيق مصالحها الخاصة ، غالبًا على حساب الشعوب ، وهيَ ليست بالمصطلح الجديد بل لها جذور تمتد في التاريخ السياسي والاجتماعي ، فمنذ مؤامرة البارود في انجلترا عام 1605 مرورًا بالوعود الإنجليزية والغربية لليهود وتدمير الخلافة الإسلامية والحربين العالميتين الأولى والثانية ، وصولًا الى القضية الفلسطينية ، بما فيها أحداث الخليج والعراق وتصعيد منظمات ارهابية كالقاعدة وداعش والمافيا والحركات الأوروبية المتطرفة ، وانتهاءاً باحداث السابع من أكتوبر والحرب الاسرائيلية – الايرانية ، دفعت الجماهير الى التصديق بأنّ هناك مَن يُحرك الخيوط من وراء الكواليس ، ويسعى للهيمنة الدائمة !!.
الاختلاف عَلى أشُدّه بين المؤيدين والمعارضين لهذهِ النظرية ومِن أشهر المؤيدين الكاتب الامريكي جون بيلجر والمفكر نعوم تشومسكي ( المؤامرة ليست السر ، بل النظام نفسه هو المؤامرة ) ، واشهر المعارضين المفكر كارل بوبر والذي يعتبر هذا التفكير هروبًا مِنْ تحليل الواقع الاجتماعي والسياسي الحقيقي وتحويله إلى صراع مع أشباح لا يمكن تحديدها أو الوصول إليها !! .
وإذْ كانت نظرية الموأمرة التي تَمّ نسبتها الى هتلر وأنّ هناك عالم في باطن الأرض ومحاولة الدخول اليه وبرفقته مجموعة مِنْ العلماء الألمان والصحون الطائرة قَدْ ساهمت في تغذية عقول أصحاب هذهِ النظرية ، فإنّ ما حدث في السابع من أكتوبر وَعَدَم القُدرة في العثور على الأسرى الاسرائيليين في غزّة قَدْ ساهم كثيرًا في تصديق هذهِ النظرية لدى الشعوب العربية .
إنّ الشعور بالانهزامية والضعف وعدم القدرة في التأثير في مفاصل الاحداث أعطى المنادين بهذه النظرية مجالًا للهروب مِنْ الواقع المأزوم والمهزوم ، ونوع مِنْ الركون للواقع والشعور بالطمأنينة أنهم قَدْ فعلوا ما يلزم ولكن مؤامرات العالم عليهم قَدْ حرمتهم مِنْ النصر !! .
في عالم تقوده المصالح وتحكمه السرديات الرسمية ، مِنْ الطبيعي أن يُطرح سؤال المؤامرة ، المطلوب ليس التسليم أو الإنكار ، بل اليقظة النقدية والتحليل الموضوعي ، علينا أن نحمي وعينا من أن يُسلب تحت شعار التبسيط أو التخويف ، وأن نُبقي أبواب الشك مفتوحة ، دون أن نُغلق نوافذ العقل والمنطق .
المحامي فضيل العبادي
رئيس اللجنة القانونية / مجلس محافظة العاصمة