معذرةً بني قومي …

معذرةً بني قومي …
كأننا لا نحسن الفرح…
أو كأن الفرح لدينا ، ما إن يُولد ، حتى يصرخ بيننا خصامًا ، ويُسلَّحُ بكلمات السخرية والنكاية.
حدث رياضي تاريخي مثل تأهل المنتخب الأردني إلى كأس العالم ، لا شك أنه منجز وطني يستحق الاحتفاء ، لكنه في لحظة خاطفة ، تحوّل على ألسنة البعض إلى ما يشبه منصة حربٍ أهلية في الفضاء العربي الرقمي .
وللأسف .. لم تكن تلك الأصوات النشاز حكرًا على الأردنيين ، بل سمعناها تتكرّر – بمضامين متطابقة وأحيانًا أعنف – في أغلب المناسبات الرياضية العربية ، تصدر عن جماهير مختلفة ، تتبادل الهجوم والتقليل والشماتة ، كأننا لا نعرف طريقًا للفرح إلا إن جاءَ متكئًا على فشل الآخرين .
نعم، من حق الشعوب أن تفرح، وأن تفتخر بمن يمثلها ، وأن تعبّر عن اعتزازها بفرقها ومنتخباتها ، ولكن ..
متى أصبح الفرح مبررًا للشتيمة؟
ومتى تحوّل الانتصار إلى مشروع إذلالٍ للآخر ؟
ما شاهدناه – لا في مناسبة واحدة ، بل في كثير من المحافل الرياضية العربية – من شماتة .. سُخرية وتنمّر صريح أو مبطّن ، لا يمكن تبريره بانفعال عابر .
بل هو مؤشر ثقافي عميق ، على أننا لم نُربَّ بعد على أخلاق الانتصار ، ولم نُمرَّن بعد على فنّ التهذيب في لحظات الفوز ، ولم نتفق بعد أن الفوز لا يكون كاملاً إلا حين لا يُذلّ فيه أحد .
دعونا نعترف بمرارة …
ما حدث على منصات التواصل بعد تأهل منتخبنا الأردني ، من إساءات لبعض الفرق العربية مِنْ بَعضِنا .. وللمنتخب الاردني مِنْ بعض المُشجعين العرب لم يكن حالة استثنائية .
بل هو نسخة مكررة لما حدث قبلها من جماهير عربية أخرى ، تجاه بعضها البعض، كلما فاز فريق أو خسر منتخب .
حين تأهل منتخب مغاربي ، هاجمه البعض من مشرق الوطن العربي .
وحين فاز منتخب من الخليج ، ناله التجريح من أبناء الشام .
وحين سقط أحد المنتخبات العربية الكبرى، تعالت الضحكات لا الدموع مِنْ قِبَل البعض .
كأننا لا نُطيق أن ينجح أحدنا ، إلا إن جاء نجاحه مقرونًا بسقوط الآخر .
ليس اللاعبون ، ولا المدربون ، بل نحن الجمهور .. وربما أكثرنا في الفضاء الرقمي تحديدًا .
إنّ كثيرًا من هذه الحملات ، لا تعبّر عن روح الشعوب ، بل تنطلق من جيوش إلكترونية ، أو أفرادًا مشحونين بثقافة الانقسام والجدل العقيم ، ممن استوطنوا منصات التواصل الاجتماعي ، وأحسنوا استغلالها في بثّ الغضب والكراهية ، لا في الاحتفال الراقي والفرح الموزون بل بالعصبية والعنصرية البغيضة .
وهؤلاء – مهما تنوّعت لهجاتهم أو أعلامهم – هم وجه واحد …
وجه الكراهية الذي يُعيدنا إلى الوراء في كل مناسبة تجمعنا .
نحن بحاجة ماسة إلى إعادة تعريف الفرح في ثقافتنا ..
نريده فرحًا يجمع ولا يُفَرّق ، يرفع ولا يُسقط ، يوقظ النخوة ولا يثير النكاية …
نريد أن نفرَح للاردني بفوزهِ ، ونُصَفّق للفلسطيني ، ونفتخِر بالمغربي ونؤازر المصري ، ونحب القطري ، ونُشجع السعودي ، وندعوا للجزائري ، ونفرَح للعراقي .. .
لأننا في النهاية “فريق واحد” لا في الملعب فقط بل في التاريخ والجغرافيا والدم والمصير .
نقولها من القلب ، وبكل مسؤولية ،
كلّ إساءة تُوجّه إلى فريق عربي ، هي طعنة في فرحنا نحن ، وإنتقاص من رصيد كرامتنا .
الفرح الذي يُولد على أحزان إخوتنا ، هو فرح ناقص .. وربما ليس فرحًا أبدًا.
لنُربّ أبناءنا على فرح يليق بالمحبة ، لا عَلى الحقدِ والكراهية .. وإنتصار وَفرح لا يتغذّى على الأنانية وَكُرهِ الآخر ، ووطن عربيّ كبير ، لا تضيق فيه المدرجات على اسمٍ أو راية .. وقريبًا قَدْ يفرح العرب بالنصر إن شاء الله ومبروك لمنتخب النشامى ولِكُلّ المنتخبات العربية .

المحامي فضيل العبادي
رئيس اللجنة القانونية / مجلس محافظة العاصمة

Read Previous

مكة المكرمة تسجل 44 درجة مئوية في ثاني أيام التشريق

Read Next

مباراة الثلاثاء فرصة مثالية لتجسيد الروح الرياضية وتأكيد عمق العلاقات التاريخية الأردنية العراقية

Most Popular