بنكُ البذورِ الوطنيِّ: حيثُ تُزرَعُ البذورُ، يُولَدُ الغَدُ

 

بقلم:منصور البواريد

الأردنُّ، هذهِ الأرضُالتي تنبُضُ بتاريخِها العريقِ وجمالِها الأخّاذِ، هي لوحةٌ فنيةٌ رسمتْها يدُ الطبيعةِ ببراعةٍ، ثم أضافَ الإنسانُ إليها لمستَهُ التي جعلتْها تنبُضُ بالحياةِ. منذ فجرِ التاريخِ، كان الأردنيُّ يزرعُ قبلَ أن يتحدثَ، كان يؤمنُ أنَّ الأرضَ كتابهُ الأولُ، وأنَّ الشجرةَ صديقهُ الأوفى. لم تكن الزراعةُ في الأردنِّ مجردَ مهنةٍ، بل كانت فعلَ حبٍّ، طريقةَ عيشٍ، ونشيدًا تردِّدُهُ الأرضُ كلَّما أمطرتِ السماءُ. الأردنُّ ليسَ مجردَ وطنٍ، بل هو فكرةٌ خالدةٌ بأنَّ الجمالَ يكمنُ في التفاصيلِ، في نقاءِ وصفاءِ البداوةِ، وفي دفءِ القرى، وفي سحرِ الوديانِ، وفي الأيدي التي تزرعُ الحياةَ ثم ترفعُها نحوَ السماءِ، شاكرةً نعمةَ الانتماءِ. أما الزراعةُ، فهي ليستْ مجردَ فعلِ إنتاجٍ، بل طقسٌ قديمٌ ممتدٌ في وجدانِ الإنسانِ الأردنيِّ، كُتبَ في جيناتهِ مع أولِ بذرةٍ زرعَها على هذهِ الأرضِ. لم تكن الزراعةُ خيارًا، بل كانت مصيرًا، علاقةً متينةً بينَ الإنسانِ والتربةِ، علاقةً لا تقومُ على المنفعةِ فقط، بل على الحبِّ والتقديسِ. إنَّ حباتِ القمحِ هنا ليستْ مجردَ غذاءٍ، بل ذاكرةٌ ممتدةٌ عبرَ العصورِ، تحكي عن أيدٍ زرعتْ، وأجيالٍ حصدتْ، وقلوبٍ خفقتْ فرحًا برؤيةِ الخيرِ ينبثقُ من عمقِ هذهِ الأرضِ الجميلةِ كجمالِ شعبِها.
يأتي “بنكُ البذورِ الوطنيِّ” ضمنَ الجهودِ الوطنيةِ الراميةِ إلى تحقيقِ التنميةِ المستدامةِ والتحديثِ الاقتصاديِّ، التي يقودُها جلالةُ الملكِ عبد الله الثاني-حفظه الله ورعاه-، حيث تتماشى أهدافُ البنكِ مع محاورِ الرؤيةِ الاقتصاديةِ التي ترتكزُ على تعزيزِ الأمنِ الغذائيِّ، ودعمِ القطاعِ الزراعيِّ، وخلقِ فرصِ العملِ للحدِّ من نسبةِ البطالةِ وتشغيلِ الأيدي العاملةِ، وتمكينِ الابتكارِ في التكنولوجيا الزراعيةِ. ورؤيةُ جلالةِ الملكِ عبد الله الثاني-حفظه الله ورعاه- هي تعزيزُ الأمنِ الغذائيِّ والاستدامةِ الزراعيةِ وتؤكدُ أهميةَ تحقيقِ الأمنِ الغذائيِّ من خلالِ تطويرِ قطاعٍ زراعيٍّ حديثٍ ومستدامٍ، وهو ما ينسجمُ مع دورِ بنكِ البذورِ الوطنيِّ في حفظِ السلالاتِ النباتيةِ المحليةِ، وتحسينِ الإنتاجيةِ الزراعيةِ، وتقليلِ الاعتمادِ على الاستيرادِ، وإنتاجِ بذورٍ مقاومةٍ للتغيراتِ المناخيةِ يضمنُ استقرارَ الإنتاجِ الزراعيِّ ويساهمُ في حمايةِ المواردِ الطبيعيةِ، مما يعززُ الأمنَ الغذائيَّ الوطنيَّ، ومن رؤيةِ جلالتهِ في التحديثِ الاقتصاديِّ هو دعمُ الاقتصادِ المحليِّ وتحفيزُ الاستثمارِ الزراعيِّ، تركزُ على زيادةِ مساهمةِ القطاعاتِ الإنتاجيةِ في الاقتصادِ، ويعتبرُ القطاعُ الزراعيُّ جزءًا رئيسيًا من هذهِ الرؤيةِ، حيث يسهمُ بنكُ البذورِ في تحسينِ الإنتاجِ الزراعيِّ، وزيادةِ الصادراتِ إلى الخارجِ، وتعزيزِ الاستثمارِ في التكنولوجيا الزراعيةِ من خلالِ دعمِ الشركاتِ الناشئةِ والمزارعينَ بالبذورِ المحسنةِ، ويساهمُ البنكُ في رفعِ كفاءةِ الإنتاجِ وتحقيقِ قيمةٍ مضافةٍ للقطاعِ الزراعيِّ، مما يدعمُ النموَّ الاقتصاديَّ، ويعملُ على خلقِ فرصِ عملٍ وتقليلِ البطالةِ وتوفيرِ فرصِ عملٍ مباشرةٍ وغيرِ مباشرةٍ في مجالاتِ البحثِ الزراعيِّ، والإنتاجِ، والتوزيعِ، مما يساهمُ في تحقيقِ أحدِ الأهدافِ الرئيسيةِ لرؤيةِ التحديثِ الاقتصاديِّ وهي تقليلُ البطالةِ وزيادةُ مشاركةِ القوى العاملةِ في الاقتصادِ. دعمُ الريادةِ والابتكارِ الزراعيِّ يساعدُ الشبابَ على تأسيسِ مشاريعَ زراعيةٍ ناجحةٍ، مما يخلقُ فرصَ عملٍ جديدةٍ ويدعمُ الاقتصادَ الريفيَّ بشكلٍ خاصٍّ واقتصادَ الأردنِّ بشكلٍ عامٍّ، وتعزيزُ البحثِ العلميِّ والابتكارِ في التكنولوجيا الزراعيةِ فالرؤيةُ الاقتصاديةُ تدعو إلى تبني التكنولوجيا الحديثةِ في جميعِ القطاعاتِ، ويعدُّ بنكُ البذورِ الوطنيِّ أحدَ الأدواتِ المهمةِ في تطويرِ تقنياتِ الهندسةِ الوراثيةِ، وتحسينِ المحاصيلِ، والاستفادةِ من الذكاءِ الاصطناعيِّ في الزراعةِ من خلالِ التعاونِ مع المراكزِ البحثيةِ والجامعاتِ، فيدعمُ البنكُ تطويرَ أصنافٍ جديدةٍ من البذورِ التي تُلبي احتياجاتِ السوقِ المحليِّ والعالميِّ. فدورُ بنكِ البذورِ الوطنيِّ هو ضمانُ استدامةِ النظامِ الزراعيِّ وحمايةِ أمنِ الغذاءِ في مواجهةِ التحدياتِ البيئيةِ والاقتصاديةِ المستقبليةِ، والاستدامةُ الزراعيةُ تشيرُ إلى استخدامِ المواردِ الزراعيةِ بشكلٍ يضمنُ الحفاظَ عليها للأجيالِ القادمةِ، من خلالِ حمايةِ التربةِ، والمياهِ، والنباتاتِ، وضمانِ تنوعِها وحيويتِها، فالأمنُ الغذائيُّ يعني توفيرَ الغذاءِ الكافيِ والمستدامِ للمجتمعاتِ، وهو هدفٌ يسعى بنكُ البذورِ لتحقيقِه عبرَ حفظِ التنوعِ النباتيِّ وضمانِ استمراريةِ المحاصيلِ الزراعيةِ. عندَ تحقيقِ الاكتفاءِ الذاتيِّ في إنتاجِ البذورِ يقللُ من الضغوطِ الاقتصاديةِ ويوفرُ للدولةِ مواردَ يمكنُ استثمارُها في قطاعاتٍ أخرى، يعملُ البنكُ على تطويرِ سلالاتٍ زراعيةٍ تُناسبُ الأسواقَ العالميةَ، مما يعززُ قدرةَ المزارعينَ على إنتاجِ محاصيلَ ذاتِ جودةٍ تصديريةٍ، وبالتالي زيادةُ الصادراتِ الزراعيةِ الوطنيةِ، فبالتالي دعمُ الممارساتِ الزراعيةِ المستدامةِ والعضويةِ يزيدُ من قيمةِ المنتجاتِ الزراعيةِ محليًا وعالميًا، مما يعززُ الناتجَ المحليَّ الإجماليَّ.
بكلِّ فخرٍ واعتزازٍ، أتقدمُ إلى جلالتكم بأسمى آياتِ الشكرِ والتقديرِ على دعمِكم المستمرِّ للقطاعِ الزراعيِّ وتعزيزِ الأمنِ الغذائيِّ الوطنيِّ، فإنَّ رفدَ بنكِ البذورِ الوطنيِّ بمزيدٍ من المواردِ والتطويرِ ليسَ مجردَ خطوةٍ بيئيةٍ، بل هو استثمارٌ استراتيجيٌّ يعززُ الاقتصادَ الوطنيَّ، ويضمنُ استدامةَ الإنتاجِ الزراعيِّ، ويقللُ من الاعتمادِ على الاستيرادِ، مما يسهمُ في تحقيقِ الاكتفاءِ الذاتيِّ، ودعمِ المزارعينَ، وتعزيزِ قدرةِ الأردنِّ على مواجهةِ التحدياتِ المناخيةِ والاقتصاديةِ.
رؤيتُكم الحكيمةُ في دعمِ القطاعاتِ الإنتاجيةِ، وخاصةً الزراعةِ، تعكسُ إيمانكم العميقَ بأهميةِ الاقتصادِ المستدامِ، حيث تصبحُ البذورُ الوطنيةُ ثروةً اقتصاديةً تحفظُ للأردنِّ سيادتهُ الغذائيةَ، وتفتحُ أبوابَ الاستثمارِ والابتكارِ الزراعيِّ.
نسألُ اللهَ أن يحفظَكم ويديمَ عزَّكم، ويبقى الأردنُّ بقيادتِكم شامخًا قويًّا، ينعمُ بالازدهارِ والاستقرارِ.

إقرأ الخبر السابق

السمرات يؤدي اليمين القانونية أمام الملك رئيسا للنيابة العامة

اقرأ الخبر التالي

5 شهداء في غزة وتحذير من مجاعة بسبب إغلاق المعابر

الأكثر شهرة