تيري ماميني سيدة أميركية لا تكاد تظهر في مقطع فيديو أو في صورة إلا وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية متحدثة عن مجازر الاحتلال الإسرائيلي في غزة، فاضحة لدعايته التي تسعى إلى التعتيم على تلك المجازر.
بدأت قصة تيري (61 عاما) مع مناصرة قضية فلسطين مع انتفاضة أطفال الحجارة عام 1987، وتعمل منذ اندلاع طوفان الأقصى لكشف ما يجري في فلسطين المحتلة، وغزة تحديدا، مستخدمة في ذلك كل وسيلة ممكنة، وفي مقدمتها حسابها النشط على منصة تيك توك، إلى جانب التفكير في مبادرات نوعية كان من بينها تنظيم حملة لإرسال نسخ من المصحف إلى الإدارة الأميركية.
تقول تيري إنها لم تهتم يوما بالنصوص الدينية، وهي الملحدة التي نشأت في أجواء كاثوليكية حتى شاهدت -مثل الكثيرين- الثبات المبهر لأهل غزة وإيمانهم الذي لا يتزعزع على الرغم من المجازر اليومية التي ترتكبها إسرائيل بحقهم.
إرسال المصاحف
وتوضح أنها فكرت بسبب ذلك في تنظيم مبادرة إرسال نسخة من المصاحف إلى إدارة الرئيس جو بايدن، ليعلم أولا أن عددا كبيرا من الأميركيين هم مع القضية الفلسطينية، وثانيا لعل أحدا من إدارته يتناول نسخة ويقرؤها ولو من باب الفضول، وربما يغير مواقفه.
وبدأت تيري خطواتها الأولى لتنفيذ المبادرة، وناقشت مع أحد المتخصصين التقنيين من أصدقائها إنشاء موقع إلكتروني يمكّن من يرغب في إرسال نسخة من المصحف من القيام بذلك عبر الموقع وبطريقة بسيطة.
لكن المشروع توقف -بحسب تيري- بعد أن “أغرقني عدد من المسلمين برسائل يطلبون فيها مني عدم القيام بذلك لأنهم لا يعرفون كيف سيتم التعامل مع نسخ المصحف، عندها أدركت كيف يتم التعامل مع المصحف، وأنه ليس مجرد كتاب تضعه في محفظتك وتقرؤه في الحافلة”.
وتضيف أنها تشك في أن المبادرة كانت ستصنع فرقا حتى لو تمت، لأن اللغة الوحيدة التي يتحدث بها السياسيون هي المال والسلطة، ومن ثم فالطريقة الوحيدة التي تضمن الوصول إلى نتائج فعالة من بايدن ومجمعه الصناعي العسكري هي “أن ننقل له أننا لن نصوّت له في نوفمبر بسبب دعمه هذه الإبادة الجماعية”.
وتضيف أن حملات المقاطعة كانت أيضا ناجحة للغاية، وتعلن “علينا أن نضربهم في المكان الذي يؤلمهم: في محفظة نقودهم وفي مسارهم السياسي”.
تعتيم وتضليل
وبالنسبة لتيري فإن معظم الأميركيين كانوا إما غير مدركين أو مضللين بشأن الاحتلال والوضع في فلسطين لعقود من الزمن، إذ لا تقوم وسائل الإعلام الأميركية بتغطية كاملة للشؤون الخارجية، مما يترك المواطن غير مطلع على العديد من القضايا العالمية.
لذلك، فما دمت لا تعلم فلن تتمكن من البحث بنفسك لفهم ما يجري، وذلك بالإضافة إلى أن المواطن الأميركي العادي لم يكن يرى أن نظام بلاده متورط في الصراع بفلسطين، مما كان يزيد حدة اللامبالاة.
فهل الأميركيون أنانيون ولا يهتمون إلا بما يحدث داخل حدود بلادهم؟ تقول تيري إن هذا الحكم غير صحيح 100%، وإن كان كثيرون لا يهتمون -على سبيل المثال- بمدى دعم ساستهم إسرائيل طالما أنهم كانوا يعالجون المشاكل التي كانت مهمة بالنسبة لهم في حياتهم اليومية.
وسائل تواصل
وتوضح تيري أنها تعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي هي التي أيقظت الأميركيين وجعلتهم يطرحون الأسئلة الصحيحة، حيث رأوا بأعينهم ما يحدث على الأرض وعبر وسائل إعلام غير تلك التي اعتادوا على أن تكون مصدرهم الأول في التغطيات.
مواقع تواصل اجتماعي مثل فيسبوك الذي أصبح -بحسب تيري- أكثر اهتماما بصور الأحفاد و”الميمات” والسياسة الأميركية الداخلية “وأنا لا أزال أستخدمه من حين إلى آخر لأنني أعيش في أوروبا، وهي طريقة جيدة للبقاء على اتصال مع أصدقائي وعائلتي في الولايات المتحدة”.
وذلك عكس منصة تيك توك التي سمحت بهامش كبير لنشر الأخبار، ليس عن فلسطين فقط، ولكن عن العديد من المظالم الأخرى التي تتورط فيها الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، والتي كان الأميركيون يجهلونها دائما إلى حد كبير أو مضللين بها بشكل لا يصدق، علما أن تيك توك هو الآخر يمارس سياسة الرقابة ويحذف منشورات عدة يراها مخالفة لقواعد عمله.
حرية تعبير
وعلى الرغم من أن حرية التعبير محمية بالدستور الأميركي فإن العدوان الإسرائيلي على غزة خلق وضعا سياسيا جديدا في “بلد الحريات”، وكشف لكثير من الأميركيين أنهم لا يستطيعون التعبير عن آرائهم بحرية دون أن يخشوا أحدا.
وفي هذا السياق، توضح تيري أن الكونغرس أصدر مؤخرا القرار رقم 894 الذي يساوي بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، موضحة أنه “قرار مخادع” يخلط عن عمد بين اليهودية كدين والصهيونية التي هي أيديولوجية سياسية.
وقالت “لقد أثبت إصدار هذا القرار للجمهور الأميركي أن لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) تملك الحكومة الأميركية”.
وتتابع “لقد دعا 70% من الأميركيين و77% من الديمقراطيين إلى وقف إطلاق النار، لذا فإن أيا من ساستنا لا يمثلون ناخبيهم، وهو الأمر الذي سيدفعون ثمنه في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني القادم”.
وبسبب مثل هذه القوانين يتم رفض الاحتجاجات الجامعية المؤيدة للفلسطينيين بدعوى “خطاب الكراهية”، ويُنتقد أساتذة الجامعات وغيرهم من الأكاديميين بسبب تحدثهم علنا ضد التطهير العرقي والإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل.
ديمقراطية أم فاشية؟
علما أنه منذ صدور القرار 894 -تؤكد تيري- أرسل المدعي العام رسائل إلى جميع وسائل الإعلام الرئيسية، مثل نيويورك تايمز ورويترز وأسوشيتد برس و”سي إن إن” وغيرها، جاء فيها “سنواصل متابعة تقاريرك للتأكد من أن مؤسساتكم لا تنتهك أي قوانين فدرالية أو قوانين خاصة بالولاية من خلال تقديم الدعم المادي للإرهابيين في الخارج، الآن مؤسستك على علم بذلك، اتبع القانون”.
وتعلق تيري على ذلك بقولها “إنه أمر تقشعر له الأبدان، حقا إن الخط الفاصل بين ما تعتبره حكومة الولايات المتحدة ديمقراطية وبين الفاشية أصبح غير واضح وبدرجة تنذر بالخطر”.
وضع صعب ومعقد وتحديات مثيرة قادمة، لكن ذلك لا يمنع تيري من رؤية بعض الضوء في آخر هذا النفق المظلم، حيث تؤكد أن سنوات مناصرة فلسطين منذ انتفاضة أطفال الحجارة كانت متعبة، لكن مشاهدة الأجيال الشابة وهي تتعلم أخيرا التاريخ الحقيقي للصراع وتحتج بأعداد كبيرة بشكل لا يصدق في جميع أنحاء العالم -خاصة داخل الولايات المتحدة نفسها- تفتح بابا للأمل لا يمكن لأحد إغلاقه، أمل لا تفقده تيري أبدا، وهي التي لا تنفك تنهي كلامها دائما بـ”لن نغفر، لن ننسى، وفلسطين حرة”.