سبت المظاهرات الكبير في سول.. بين مناصرة فلسطين وتأييد الرئيس المعزول

اخبار ع النار-تخصص كوريا الجنوبية يوم السبت من كل أسبوع للتظاهر، فيخرج الناس في هذا اليوم أفواجا من كل حدب وصوب يتظاهرون في أي شأن شاؤوا، وتغلق الشوارع الرئيسية في العاصمة سول، وتوضع سيارات وحافلات الشرطة والإسعاف في حالة تأهب لحماية المتظاهرين من ناحية ولمنع الشغب من ناحية أخرى.
يبدأ المتظاهرون بالنزوع إلى الشوارع منذ الساعة الـ12 ظهرا بالتوقيت المحلي للبلاد، إلى أن تحدث التجمعات الكبرى بحلول الساعة الثانية عصرا، وتستمر بعد ذلك إلى الساعة السادسة مساء أو بعد ذلك بقليل.
ورغم صخب المظاهرات حيث يستخدم منظمو كل مظاهرة مكبرات الصوت وبعضها ضخم جدا لمخاطبة الحشود فإنها تتميز جميعها بسلميتها، فلا تجدها تخرج عن المكان الذي حُدد لها، كما لا تصدر عن المشاركين فيها أي سلوكيات مخلة بالأمن العام.
وللمفارقة، كانت أول مظاهرة صادفتنا عند الخروج من الفندق مناصرة لفلسطين، ورغم خيبة الأمل في البداية عندما رأينا أن المشاركين فيها بضعة كوريين وكوريات يحملون أعلام فلسطين فإننا مع ذلك قررنا متابعتهم لنجد أنهم التقوا مع حشد أكبر يقدر بالعشرات يهتفون جميعا “فلسطين حرة”.
وضع المتظاهرون -الذين حمل كثير منهم أعلام فلسطين- شاحنة صغيرة بشكل عرضي وسط الشارع، وعلى منصة أمامها وقفت فتاة كورية تتزين بالوشاح الفلسطيني الشهير وتتحدث بالميكروفون بشكل حماسي، وكانت تردد كلمة “فلسطين” بشكل متكرر في كلامها وخلفها شاشة تعرض صورا من الحرب الإسرائيلية على غزة.
أغلب المظاهرات والاحتجاجات تكون في ميدان غوانغهوامن في وسط سول، ويحمل هذا الميدان رمزية تاريخية، إذ يقع أمام قصر غيونغبوكغونغ، وتحيط به مبانٍ حكومية رئيسية مثل البيت الأزرق ومركز الفنون سيجونغ، مما يجعله نقطة تجمّع رئيسية للحركات السياسية والاجتماعية.
وقد شهد هذا الميدان بعضا من أكبر الاحتجاجات وأكثرها تأثيرا في البلاد -بما في ذلك المظاهرات التي أدت إلى عزل الرئيس يون سوك يول في 2024- رغم أنها تركزت أمام البرلمان بشكل أساسي، وأيضا المظاهرات المليونية التي قادت إلى عزل الرئيسة باك غن-هيه في 2017.

فلسطين حرة
تتميز المظاهرة المناصرة لفلسطين بأن جميع المشاركين فيها من فئة الشباب، وكثير منهم يرتدون الوشاح الفلسطيني ويحملون أعلام فلسطين، وعلى جانب الرصيف طاولتان لبيع تذكارات فلسطينية متعددة، وخلفهما على سور الشارع يافطتان كبيرتان باللغة الكورية، إحداهما مكتوب فيها “المحكمة الجنائية الدولية” وتحت ذلك مكتوب “رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين) نتنياهو”، وإلى يسار الكلام صورتان لنتنياهو كُتب فوقهما بخط كبير بالإنجليزية “مطلوب”.
وبعد كل خطاب حماسي تصدح الفتاة بالميكروفون باللغة الإنجليزية بأقصى قوتها “فلسطين حرة”، وبعد سلسلة خُطب بدأت تُعرض تذكارات ومطرزات فلسطينية للبيع بالمزاد العلني دعما لغزة.

الرئيس المخلوع
غادرنا تلك المظاهرة على صدى أصوات صاخبة جدا تصدر من مكبرات صوت ضخمة، كانت تلك مظاهرة لأنصار الرئيس المعزول، والتي قدّر أحد المشاركين فيها عدد الحضور بنحو 700 ألف شخص.
كانت بالفعل مظاهرة تضم عشرات الآلاف نصبت أمامهم منصة كبيرة مرتفعة وخلفها شاشة ضخمة، وعلى تلك المنصة يتحدث أنصار الرئيس المعزول واحدا تلو الآخر بحماس بالغ وهتافات تتخللها أغانٍ حماسية، وقد وُضعت للحشود الذين تزاحموا على امتداد شارع سيجونغ الرئيسي في ميدان غوانغهوامون كراسٍ بلاستيكية نظرا لأن معظم المشاركين في هذه المظاهرة قد تجاوزا سن الشباب.
امتدت تلك المظاهرة الصاخبة لساعات عدة، حيث غربت الشمس وكان كثير من المشاركين فيها لا يزالون جلوسا، والمتحدثون على المنصة يتبادلون الأدوار في الخطاب الحماسي.
كانت الخطابات تتحدث عن التحذير من الشيوعية ومن الفساد ومن سرقة البلد، وقد وزع علينا بعضهم ملصقات بالإنجليزية كُتب فيها “أوقفوا السرقة”، يقصدون فيها أن الرئيس المعزول كان يحاول منع تزوير الانتخابات الرئاسية والمحلية على يد الدولة العميقة التي يقولون إن وراءها حلفاء لكوريا الشمالية والحزب الشيوعي الصيني.

أعلام أميركا في كل مكان
اللافت في هذه المظاهرات أن العلم الكوري كان يرافقه العلم الأميركي تقريبا بيد كل مشارك، كما تنتشر عبارات تصف التعاون الأميركي الكوري بأنه أبدي، ويعود ذلك إلى إحساس الكوريين بالجميل للولايات المتحدة التي كان دعمها لهم في الحرب ضد كوريا الشمالية حاسما، كما أن رفع العلم الأميركي صار رمزا سياسيا يميزهم عن المناصرين للتقارب مع كوريا الشمالية والصين.
كما قابلنا الشابة جيسيكا (25 سنة) التي قالت إن “الحزب الشيوعي الصيني يحاول أن يسيطر على كوريا الجنوبية، والقوى السياسية التي تدعم كوريا الشمالية خلعت الرئيس، وأنا كما كثير من الشباب ندافع عن الرئيس يون وندافع كذلك عن كوريا جنوبية ليبرالية وديمقراطية”.
من جهته، قال ليي جوتشول (65 سنة) إنه جاء من ولاية تكساس في الولايات المتحدة ليدافع عن الرئيس يون “لأن الشيوعيين يريدون إعادة كوريا الجنوبية إلى سيطرة الصين”، حسب قوله.
وما بين المظاهرة الداعمة لفلسطين والمؤيدة للرئيس المعزول مررنا بعدد من المظاهرات الصغيرة جدا لا يتعدى المشاركون فيها بضعة أفراد، مثل مظاهرة مؤيدة للشواذ وتحمل راياتهم، لكن بكل تأكيد كانت هناك مواقع أخرى في العاصمة تجري فيها مظاهرات أخرى في سبت المظاهرات الكبير هذا، وعلى الأرجح كان بينها مظاهرات ضد الرئيس المعزول.
يذكر أن الحكومة الكورية حاولت في السنوات الأخيرة فرض قيود على الاحتجاجات في ميدان غوانغهوامون بذريعة أن المنطقة تعد معلما سياحيا وثقافيا رئيسيا، وأن المظاهرات تعرقل حركة المرور وتؤثر على الأنشطة التجارية وتقلل جاذبية المكان للزوار.
لكن هذه المحاولات واجهت رفضا قويا من الجماعات المدنية وتحديات قانونية، وأصدرت المحاكم أحكاما عدة لصالح المتظاهرين، مشددة على أن القيم الديمقراطية تأتي في المقام الأول.

إقرأ الخبر السابق

الزميل محمد العنانزة …كل عام وانت بألف خير

اقرأ الخبر التالي

الاحتلال يُرجئ الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين

الأكثر شهرة