
يبدو أن البنك العربي قرر أن يدخل العصر الرقمي بثوب جديد،في خطوة قد يراها البعض شجاعة نحو المستقبل، بينما يراهاآخرون انقطاعاً عن جذور عميقة تربط البنك بتاريخه وهويته، وبينالجدل الدائر حول الشعار الجديد، يبقى السؤال الأهم: هل نجحالبنك في إيصال فلسفة هذا التغيير؟
لنبدأ بالشعار القديم؛ صورة تعكس تراثاً عربياً أصيلاً، فالجمليحمل على ظهره تجارة الماضي، والخارطة تشير إلى امتدادالبنك في المنطقة، والحصان العربي رمزاً للأصالة والقوة، كل هذهالعناصر لم تكن مجرد رموز بصرية، بل كانت تجسد رحلة البنكالتي بدأت منذ عقود. نعم، الشعار قد يكون معقداً قليلاً، لكنه كانيحمل عمقاً تاريخياً وهيبة مؤسسية لا يمكن إنكارها.
الشعار الجديد، بثلاث دوائر متشابكة على خلفية زرقاء، يعكستوجهاً عصرياً نحو السلاسة والبساطة، ولم يعد الشعار بحاجةإلى إخبارنا بكل شيء؛ فالأزمنة تغيرت، والهوية البصرية الحديثةتفضل المرونة والوضوح على التعقيد، في عالمٍ تتسابق فيه البنوكلتقديم خدمات رقمية مبتكرة، باتت الحاجة إلى شعار يُقرأ بسرعةووضوح في التطبيقات والأجهزة الذكية أمراً ضرورياً.
لكن هذا التوجه قد يكون مجرّداً جداً بالنسبة لمن اعتادوا علىرؤية الإرث البصري العريق للبنك، فالشعار الجديد، رغماحترافيته، يفتقر إلى الحس المجتمعي الذي كان يربط البنكبجذوره العربية وثقافته المحلية.
القصة الضائعة: لماذا التغيير؟
هنا تكمن المشكلة الحقيقية، في عالم العلامات التجارية، الشعارليس مجرد صورة، بل هو حكاية تروى للجمهور. كان على البنكالعربي أن يصاحب هذا التغيير بسردية استراتيجية واضحة،تحكي قصة التحول من الماضي إلى المستقبل، وأن يوضح لماذااستغنى عن الجمل والخارطة والحصان؟ ما الذي يرمز له الشكلالجديد؟ وكيف يحافظ هذا الشعار على روح البنك؟
التحول البصري دون سردية مقنعة أشبه بإزالة معلم تاريخيدون توضيح الأسباب؛ فالجمهور لا يعارض التغيير لذاته، بل لأنهيخشى فقدان الهوية في خضم موجة الحداثة.
الحقيقة أن البنوك الحديثة لا يمكن أن تبقى رهينة الماضي، لكنهاأيضاً لا تستطيع القفز فوق تاريخها دون النظر إلى الوراء،التحدي يكمن في إيجاد توازن بين الأصالة والابتكار، بين الجذورالعميقة والطموح المستقبلي، فشعار البنك العربي الجديد ربمايحتاج إلى إعادة صياغة ليس بصرياً، بل سردياً؛ إعادة تعريفقيم البنك ورسالته للجمهور من خلاله، مع الحفاظ على اللمسةالإنسانية التي اعتدنا عليها في هوية البنك.
الختام: أين نحن من المستقبل؟
البنك العربي يمتلك رصيداً ثقافياً ومجتمعياً قوياً في الأردنوالمنطقة، وما الشعار إلا انعكاس لهذه القوة، ونجاح هذا التغييريعتمد على قدرته في ربط الماضي بالحاضر، وشرح فلسفةالمستقبل بوضوح دون أن يبدو وكأنه يتخلى عن جذوره، وفينهاية المطاف، العلامة التجارية ليست مجرد شكل، بل هي وعدٌللجمهور بأن قيم البنك تبقى ثابتة مهما تغيرت الألوان أوالأشكال.