
اخبار ع النار-انقضت عشرة أيام عجاف، اختبر خلالها أهالي مخيم الفارعة جنوب طوباس صنوفا كثيرة من العذاب، ابتداءً من الحصار المطبق، ومرورا بالنزوح من منازلهم قسرا، ثم عودتهم إليها في حالة من القهر والحزن بعد أن عاثت فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي خرابا.
وكانت قوات الاحتلال قد شنت عدوانا وحصارا على مخيم الفارعة استمر من 2 وحتى 11 شباط/ فبراير الجاري، تخلله تدمير للبنية التحتية وقطع لخطوط المياه وتجريف للشوارع، بالإضافة إلى إلحاق أضرار كبيرة بمنازل وممتلكات المواطنين.
وفي الأيام الأربعة الأخيرة قبل انسحاب قوات الاحتلال من المخيم، أجبرت عشرات العائلات على النزوح قسرا خارجه.
كل من التقيناهم من سكان المخيم في الأيام الماضية خلال نزوحهم أو بعد عودتهم يقصون ذكريات لا تنسى عن أيامهم العشرة التي تبدو قصيرة زمنيا ولكنها طويلة وكأنها دهر من مرارة الحصار والنزوح. تتشابه حكايات أهالي المخيم بشكلها العام، لكنها تحمل في طياتها تفاصيل صغيرة مختلفة من شخص لآخر.
يوم السبت الماضي، نزحت «أم أحمد» برفقة زوجها وأبنائها الأربعة من منزلهم الواقع وسط المخيم عند أقارب لهم يقيمون خارجه، بعد إجبار قوات الاحتلال لهم على الخروج قسرا من منزلهم تحت التهديد ووطأة الحصار وانعدام مقومات الحياة خلاله.
كانت العائلة قد أمضت ستة أيام تحت الحصار المطبق منذ بداية اقتحام المخيم قبل نزوحها، في تلك الأيام امتزجت المشاعر بين الخوف والقلق وانتظار المجهول، وبعد النزوح، بقيت العائلة خارج المخيم أربعة أيام.
عند عودة العائلة بعد انسحاب قوات الاحتلال، بدا منزلهم وكأنهم هجروه لسنوات، حيث عاث فيه الاحتلال خرابا كغيره من منازل المخيم.
تقول «أم أحمد»: «لم يتركوا شيئا في مكانه، أحتاج إلى أسبوع كامل لترتيب المنزل وإعادة كل شيء إلى مكانه، أشياء كثيرة دمرت، لكن المهم أننا عدنا إلى البيت».
جيران آخرون وجدوا أجزاء من منازلهم مهدمة، وغيرهم وجدوا الجدران والمرافق والأبواب الداخلية قد تعرضت للتكسير، جميع المواطنين في المخيم تعرضوا لضرر كبير إما في منازلهم أو في محتوياتها.
تصف «أم أحمد» يوم نزوحها بأنه كان يوما من العذاب الذي لا ينتهي. وتقول: «خرجنا مشيا من منزلنا باتجاه المدخل الشرقي للمخيم وهو المنفد الوحيد الذي سمح لنا بمغادرة المخيم من خلاله».
وفي المدخل الشرقي للمخيم تجمهرت العائلات أمام حاجز وضعه الجنود، وهي رحلة أخرى من الإذلال والعذاب.
تشير أم أحمد: «قام الجنود بإطلاق الرصاص لترهيبنا بينما كنّا ننتظر العبور، كانوا يسمحون لكل خمسة أشخاص بالعبور معا، عبرت مع ابنتيّ بينما بقي زوجي وابني في الخلف، خلال ذلك كان الجنود يحتجزون بعض الشبان في زاوية وينكلون بهم».
تضيف: «بعد مرورنا بقينا لأكثر من نصف ساعة واقفين على أطراف المخيم ننتظر زوجي وابني بفارغ الصبر، كاد قلبي يتوقف حينها من الخوف، وعند وصولهما بكيت فرحا». وقبل النزوح، عايشت العائلة ستة أيام من الحصار داخل المخيم، وعن هذه الأيام تقول أم أحمد: «كانت من أصعب ما مررنا به، انقطعت المياه عن كامل المخيم، ومع نفاد المياه من خزانات المنازل بدأت ظروف المواطنين تسوء شيئا فشيئا».
كانت «أم أحمد» قد احتفظت في إحدى غرف المنزل بعدد من الزجاجات التي عبأتها بالمياه منذ مدة تحسبا لمثل هذا الظرف، وخاصة أن قوات الاحتلال نفذت العديد من الاقتحامات السابقة للمخيم وفي كل مرة كان يتم تدمير شبكات المياه.
تشير تقديرات لجنة الطوارئ في مخيم الفارعة إلى أن 250 عائلة اضطرت للنزوح من المخيم خلال العدوان الأخير، تحت تهديد السلاح، ووطأة الحصار، وانقطاع المياه والمقومات الأساسية للحياة، ومنها أدوية المرضى وحليب الأطفال.
ومنذ مطلع العام الجاري 2025، استشهد 77 مواطنا، بينهم 11 طفلا، بحسب معطيات صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية.