![](https://3lnar.com/wp-content/uploads/2025/02/04e8e7e6-0e93-4ed6-a032-6d1d78b01e84.jpeg)
بقلم: أ.منصور البواريد
في المقدمة، شهد اللقاء تراجعًا طفيفًا لترامب عن مواقفه وتحديدًا في أنه لا يسعى لتملك قطاع غزة وإنما إدارتها، وكذلك تراجع عن التهديد بقطع المساعدات عن مصر والأردن وقال أنهما دول صديقة نسعى للعمل معها، ولا يهددهما.
في الجانب الآخر، كان اللقاء الصحفي غير متفق عليه نهائيًّا، فترجَّل جلالة الملك عبد الله الثاني-حفظه الله ورعاه- وتكلم واستطاع بأن يسد فاه ترامب بكل دبلوماسية وحنكة، فما كان عليه الملك من اتّزان وهدوء وحكمة أمام الغطرسة الأمريكية وجبروتها، لا يجيدهُ إلا رجلٌ عظيمٌ من نسل عظيم، فجلالة الملك، أداء فوق العادة، قام بتفكيك الفكرة التي فرضها ترمب إلى أجزاء صغيرة، ووضع الطرح كله تحت مسؤولية العرب جميعهم، وعلّق الاتفاق على الحل النهائي باتفاق العرب، ودخل إلى ترامب بيد مليئة أنه سيقوم باستقبال ٢٠٠٠ طفل غزّي للعلاج في الأردن مصابين بالسرطان والأمراض المزمنة “الأردن منذ فترة طويلة يستقبل المرضى الغزيين في مستشفاياته”…
ففد كانت الأجواء مشحونة ومتوترة في اللقاء، ومن حضر اللقاء يعرف بأن الصحفيين كانوا يسألون بترامب أسئلة جريئة وكان رد ترامب لصحافيين شديد وصارم فقد أنهكوا ترامب بأسئلتهم الذي في هذا المشهد، كان يستعرض كل معاني القوة والغطرسة، فيما وقف جلالة الملك عبد الله الثاني، بثبات القائد الحكيم الذي ورث حنكة القيادة عن والده الراحل الملك الحسين بن طلال، إلى جانبه، سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، رمز الشباب الأردني، يسانده بثقة واقتدار، ليؤكد أنَّ القيادة الأردنية تسير بخطى واثقة رغم شدة التحديات، فإن دل يدل على أنَّ البيت الداخلي الأميركي ليسَ بوضع مريح وجزء كبير رافضين لهذهِ التصرفات والقرارات، فالملك عبد الله الثاني عرَّاب الدبلوماسية وزعيم العرب من غير منازع؛ لكن نريد اتحاد العرب مع بعضهم بعضًا، فقال جلالة الملك لترامب ستنتظر الرد من الدول العربية، فالأردن وحده لا يستطيع بأي حال من الأحوال الوقوف ضد الولايات المتحدة الأمريكية بمفرده، فهذا واقع يجب على الجميع إدراكه، فعلى الدول العربية إعطاء قرار موحد صارم ثابت متزن للولايات المتحدة الأمريكية، فالملك عبد الله بحكمته والدبلوماسية الأردنية بثوابتها رسموا معادلة توازن القوة مع ترامب دون تنازل أو تصعيد عبثي، فأردننا الغالي لا يُملى عليه بل يفرض حضوره بنديّة وواقعية سياسية والموقف الجماعي العربي كان ورقة استراتيجية؛ ولكن الثقل الحقيقي كان في قدرة الأردن على المناورة وحماية مصالحه بسيادة كاملة، وبحنكة أبا الحسين، فعلينا أن نتجاوز ما حدث، فالأردن شعبًا وقيادةً، لن يقبل بالتهجير، وهذا أمرٌ لا جدال فيه. وننتظر موقف العرب الموحد، الذي بدونه لن يستطيع الأردن وحدهُ الوقوف بوجه ترامب.
فعندما يقوَل جلالة الملك مصلحة الأردن فوق كل اعتبار ، فإنّه لا مجال للتأويل أو الاجتهاد والتحليل، هو الأردن لشعبه واهله وناسه، غير ذلك لن يكون، من غير المنطقي والمعقول والمقبول أن يتحمل الأردن أكثر مما يحتمل، الدبلوماسية تعمل وتشتغل بكفاءة ضمن أقصى الطاقات، تشتبك وتوضح وتحذر من التبعات؛ ولكن يجب أن يكون موقف العرب موحد وصارم وثابت ويجب أن يكون مساندًا ليسَ إنشائيًّا.
من الناحية الإعلامية، الملك قال كلامًا مختلفًا عن الترجمة، وكان موفقًا في التأكيد على موقف الأردنيين برفض التهجير، وقال بأنَّ ما يريده ترامب صعب التحقيق. وأكَّد الملك على وجود خطة بديلة وهي مصرية وعربية وإنَّ العرب سيتقدمون بها وعنوانها إعادة الإعمار وليسَ التهجير.
الهجوم على الملك من قبل وسائل الإعلام المختلفة لن يغير في واقع الحال، فهو إعلام تضليل وتطبيل ويخدم مصالح إسرائيل بالمناسبة وإن ارتفع الصوت.
فقد استطاعت قناة واحد بقلب الموازين وخلق أجواء غير مريحة وغاضبة تجاه المملكة الأردنية الهاشمية، إن الغضب يجب أن يكون على أنفسنا وعلى حكوماتنا التي لم تؤسس منصة إعلامية نتابعها ويتابعها العالم ويثق بها، ونأخذ منها “المادة” ونخرج بها إلى العالم، لنقول: هذهِ هي سرديتنا الحقيقية، وهذا هو موقفنا. من غير المعقول أن أنتظر لساعات حتى أرى مادة واحدة من قبل الإعلام الأردني، وكانوا الأفراد هم من تصدوا للإعلام غير الأردني، وأظن يا معالي الوزير .. الإعلام الأردني يفتقد للمهنية والكفاءات العالية لصَّد والدفاع عن هذهِ الإشاعات والهجمات الإعلامية غير الأردنية، فيجب تصحيح الأوضاع للخروج بإعلام قوي مستقل يخرج للأردنيين بمواد مهنية وموضوعية،وللأسف، لم نصنع لأنفسنا ماكينة إعلامية تجذب الجمهور العربي لمتابعتها، رغم أنَّ الأردن قد صدَّر للعالم العربي والدولي، أفضل الكفاءات الإعلامية والمحللين السياسيين والمفكرين والباحثين…
كانت لحظة فارقة ومواجهة ندّية بين الحكمة والغطرسة، نحن معك يا جلالة الملك، والملايين تسير خلفك بإيمان وعزيمة النشامى.
حفظ الله المملكة الأردنية الهاشمية قيادةً وشعبًا وجيشًا