بقلم الدكتور: معاذ مقبول البحيرات/ جامعة عمان العربية
في ظل التحديات البيئية والاقتصادية التي يواجهها الأردن، جاء مركز تكنولوجيا المستقبل بتوجيهات ملكية من جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين وولي العهد الأمير حسين بن عبد الله ليكون نقطة انطلاق رئيسية نحو تعزيز الاستدامة التكنولوجية في المملكة. يهدف المركز إلى توفير الحلول التكنولوجية المبتكرة التي تساهم في مواجهة التحديات البيئية، خاصة في مجالات النقل المستدام والتكنولوجيا البيئية. من خلال هذا المركز، يسعى الأردن لأن يكون رائدًا في تطبيق تكنولوجيا المستقبل، مما يساهم في بناء مجتمع بيئي مستدام يوازن بين التقدم التكنولوجي وحماية البيئة. بالتوازي مع هذه المبادرة، يعتبر قطاع النقل جزءًا أساسيًا في تحقيق هذا الهدف، لما له من تأثير كبير على البيئة. لذلك، يعتبر استخدام التقنيات المالية الذكية مثل التمويل الأخضر جزءًا أساسيًا لتحقيق هذه التحولات.
يشهد الأردن تحديات بيئية متعددة مثل نقص المياه، وتلوث الهواء، وتدهور البيئة بسبب الاعتماد على الوقود الأحفوري. في هذا السياق، تسهم التكنولوجيا البيئية في تطوير حلول لمواجهة هذه القضايا من خلال استخدام الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما يساعد في تقليل انبعاثات الكربون. من خلال مركز تكنولوجيا المستقبل، يطمح الأردن إلى تعزيز استخدام هذه المصادر المتجددة وتوسيع نطاق استخدامها في كافة القطاعات، بما في ذلك قطاع النقل. التقنيات المالية مثل الصكوك الخضراء والتمويل المستدام تساهم أيضًا في تمويل المشاريع التي تركز على حماية البيئة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة والمشاريع التي تعزز من تقليل الانبعاثات. يساهم المركز أيضًا في تطوير تقنيات جديدة في مجالات إدارة المياه، وإعادة التدوير، وحماية البيئة، وهو ما يعكس التزام الأردن بتعزيز الاستدامة البيئية والاقتصادية.
يعد النقل المستدام أحد أبرز التحديات التي يواجهها الأردن، حيث يعتمد قطاع النقل بشكل كبير على الوقود الأحفوري، مما يؤدي إلى زيادة انبعاثات الكربون وتلوث الهواء. وفي هذا السياق، يمكن لتكنولوجيا المستقبل أن تكون حلاً فعالًا من خلال تحسين تقنيات النقل وتوجيهها نحو الخيارات الأكثر استدامة. يعد مركز تكنولوجيا المستقبل أحد العوامل الرئيسية لتحقيق هذه التحولات، حيث يسعى إلى تشجيع استخدام السيارات الكهربائية والمركبات التي تعمل بالهيدروجين، والتي تساهم في تقليل الانبعاثات وتحسين جودة الهواء. كما أن تطوير البنية التحتية المناسبة مثل محطات الشحن للسيارات الكهربائية يساهم في تسهيل تبني هذه التقنيات بشكل أوسع في المملكة. من خلال استخدام التقنيات المالية مثل القروض الميسرة والتمويل المشترك، يمكن دعم مشاريع النقل المستدام التي تساهم في التحول إلى وسائل نقل أكثر كفاءة وصديقة للبيئة.
يسعى الأردن إلى تطوير شبكات النقل العام الذكي كجزء من استراتيجيته لتحقيق الاستدامة في قطاع النقل. يشمل هذا تطوير قطارات فائقة السرعة مثل الهايبرلوب لتقليل الاعتماد على النقل الجوي والحد من التلوث الناجم عن الطائرات. يتيح تطوير هذه القطارات إمكانية ربط المدن الأردنية الرئيسية مثل عمان والزرقاء وإربد بشكل أسرع وأكثر كفاءة، مما يسهم في تقليل الازدحام المروري وتوفير وسيلة نقل أكثر صديقة للبيئة. وفيما يتعلق بالنقل العام، فإن استخدام التكنولوجيا الذكية في إدارة حركة المرور سيسهم بشكل كبير في تحسين الكفاءة وتقليل التلوث. يمكن للمركبات الذكية والحافلات الكهربائية أن تصبح جزءًا أساسيًا من النظام العام للنقل، مما يوفر حلولاً مستدامة وفعالة لاحتياجات المواطنين. تقنيات مثل الأنظمة المدمجة لإدارة النقل العام ستساهم في تحسين استدامة النقل وتقليل تكاليف التشغيل.
إن تحسين البنية التحتية هو أحد أبرز أوجه تكنولوجيا المستقبل في مجال النقل المستدام في الأردن. يشمل هذا تطوير طرق ذكية تمكّن من إدارة حركة المرور بشكل فعال، باستخدام تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء. من خلال هذه التقنيات، يمكن مراقبة حركة المركبات وتحليل البيانات في الوقت الفعلي لتحسين تدفق حركة المرور وتقليل الازدحام. كذلك، ستتمكن السيارات الكهربائية من الشحن عبر محطات مدعمة بالطاقة الشمسية، مما يعزز من فعالية استخدام الطاقة النظيفة في مجال النقل. كما يمكن أن يتم تطوير محطات شحن ذكية تعتمد على مصادر الطاقة المتجددة لتوفير شحن مستدام للمركبات الكهربائية. هذه الأنظمة ستحسن من كفاءة النقل في المملكة وتساهم في تقليل الانبعاثات الضارة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تطبيق التقنيات المالية مثل نظام الدفع الذكي للمساهمة في تسهيل خدمات النقل المستدام.
يسهم الاقتصاد الدائري في تحسين استدامة النقل من خلال تعزيز إعادة التدوير واستخدام المواد القابلة لإعادة الاستخدام في صناعة المركبات. يسعى الأردن إلى أن يكون جزءًا من هذه الحركة العالمية من خلال تقليل الفاقد والحد من النفايات الناتجة عن الصناعات الثقيلة. في المستقبل، ستُصمم المركبات في الأردن بحيث تكون قابلة لإعادة التدوير بسهولة، باستخدام مواد خفيفة الوزن ومستدامة. كما أن تطوير السيارات الذكية التي تستخدم تقنيات مثل الطاقة الشمسية والطاقة الهيدروجينية يمكن أن يساهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. بتطبيق هذه الاستراتيجيات، يمكن للأردن أن يحقق تحولًا في طريقة إنتاج واستخدام وسائل النقل، مما يساهم في النمو المستدام للاقتصاد الوطني. كما أن استثمار التقنيات المالية مثل المشاريع المدعومة من القطاع الخاص يساهم في توفير التمويل الضروري لهذه المشاريع الحيوية.
على الرغم من التقدم الكبير الذي حققه الأردن في مجال تكنولوجيا المستقبل، إلا أن هناك تحديات كبيرة مثل التمويل، تطوير الكوادر البشرية، وضمان البنية التحتية المتطورة. ومع ذلك، يوفر مركز تكنولوجيا المستقبل فرصًا كبيرة للتعاون مع الدول والمنظمات الدولية لتبادل المعرفة والخبرات في مجالات التكنولوجيا البيئية والنقل المستدام. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاستثمار في تطوير البنية التحتية اللازمة لتبني هذه التقنيات بشكل أوسع يعتبر أمرًا حيويًا. في هذا السياق، يمكن أن تسهم التقنيات المالية مثل التمويل الجماعي والاستثمار في الصكوك الخضراء في تقديم الحلول المبتكرة لتمويل هذه المشاريع الطموحة. وفي ظل التوجيهات الملكية السامية، يمكن للأردن أن يصبح نموذجًا يحتذى به في تطبيق التكنولوجيا البيئية والنقل المستدام، مما يساهم في تحسين نوعية الحياة للمواطنين وتقليل الأثر البيئي.