بقلم: كريستين حنا نصر
السلط مدينة أردنية متميزة جذورها ضاربة في التاريخ منذ العصر الحجري مروراً بالعهد البيزنطي والروماني والغساني والايوبي والقائد صلاح الدين ومعركة حطين حيث سكنت فرقة من قادته من الاكراد في مدينة السلط فيما عرف باسم ( محلة أو حارة الأكراد)، مدينة تاريخية حكمها العديد من الملوك إلى عصر إمارة شرق الأردن، والمملكة الاردنية الهاشمية لتكون جزءاً أصيلاً من وطن عريق في ظل القيادة الهاشمية وملكوها سلالة بنو هاشم ، واليوم توجت المدينة بزيارة ملكية كانت ختام زيارات جلالة الملك عبد الله الثاني رعاه الله للمدن الاردنية بمناسبة اليوبيل الفضي لجلوس جلالته على العرش وتسلمه سلطاته الدستورية.
ولأن السلط شهدت قيام العديد من الحضارات والممالك التاريخية عليها، فقدصقلت شعبها وعشائرها وعمارتها الضاربة في التاريخ، وهذا التنوع الحضاري جعلها مدينة حضارية تتميز بالعيش المشترك والوئام بين الأديان السماوية على مدى التاريخ ، وقد شدد جلالة الملك عبد الله الثاني في زيارته على أهمية هذه الميزة ، حيث قال جلالته :” إن محافظة البلقاء عزيزة بكل مناطقها وعشائرها، وتمثل الأردن بالتسامح والمحبة والعيش المشترك، وهي مصدر فخر واعتزاز للأردنيين جميعاً”. وهذه الاهمية البالغة في المجتمع السلطي المتميز بعدة أديان وبشكل خاص العلاقة التاريخية بين المسيحيين والمسلمين ، والعلاقات الطيبة الوثيقة بين عشائرها من المسلمين والمسيحيين .
كما شدد جلالة الملك على تاريخ البلقاء ودور ابنائها وأهلها في المساهمة في بناء السلط، ليس المدينة فحسب بل في بناء كامل أرجاء ونواحي المملكة الاردنية الهاشمية وفي عدة مجالات ، وأبرزها مشاركتهم في الحياة السياسية منذ تأسيس إمارة شرق الاردن ، وأيضاً فعاليتهم ودورهم الاقتصادي ، وهنا ومن كلام الملك يمكننا فهم الأهمية الحضارية والمعمارية للسلط المتميزة بأصالتها وعراقة شعبها الذين سكنوا هذه المدينة الضارب تاريخها ومجدها طوال عهود التاريخ ، منذ العصور القديمة التي تسبق قيام المملكة الاردنية الهاشمية ، يعكس ذلك الموروث ما نشاهده في بنائها وأقواسها البيزنطية والرومانية الى البناء في العصر العثماني بمساهمة المعماريين النابلسيين الذين حافظوا على نمط البناء القديم وقاموا بتعزيزه للمحافظة على الارث المعماري للمدينة القديمة ، وهذا الطراز والفن المعماري نجده واضحاً اليوم في ابنية المدينة وأقواسها العريقة وحجارتها الصفراء .
وقد افتتح الملك يرافقه ولي العهد بمناسبة هذه الزيارة مبنى نادي المتقاعدين العسكريين ، والذي دشنه بحضور أبناء ورجالات محافظة البلقاء من المدنيين والعسكريين ، مشيراً جلالته إلى أهمية مدرسة السلط الثانوية للبنين بوصفها منارة للعلم ، وبشكل خاص أنها كانت أول مدرسة ثانوية منذ تأسيس الدولة الأردنية ، وقد ساهمت في تخريج أفواج من رجالات الدولة ، والذين خدموا الاردن باخلاصهم للوطن والملوك الهاشميين خلال العقود الماضية من مئوية المملكة الاردنية الهاشمية . وهنا خص جلالة الملك في حديثه أهمية المدينة القديمة للسلط ، باعتبارها أدرجت على قائمة التراث العالمي ( اليونسكو) ، وعلى وجه الخصوص بند التعايش وحسن الضيافة .
وفي الختام اكد جلالته في حديثه لوجهاء البلقاء على أن الاردن سوف يكون على الدوام بلداً قوياً ، خاصة بهمة الاردنيين والاردنيات وهنا يوجه الملك رسالة على اهمية المساواة بين الرجل والمرأة ، ومشاركتهم الثنائية في الحياة السياسية والاجتماعية ، والمتمثلة بمسيرة الاصلاحات السياسية والاجتماعية والادارية والاقتصادية والتي كانت بتوجيهات مباشرة سامية من جلالة الملك ، وفي وقت تدخل معه المملكة الاردنية الهاشمية مسيرة مئويتها الثانية وبمشروع اصلاح مهم ينهض بالاردن وعلى كافة الاصعدة والمجالات .
مؤكداً جلالته على أن هذه المحافظة بعينها أي البلقاء على مدى خمسة وعشرين عاماً من حكم جلالة الملك عبد الله الثاني قد شهدت تطور تنموي ملموس ومميز ، وفي مكان انعقاد اللقاء الذي جمع جلالته بالحضور وتحديداً في مبنى المتقاعدين في السلط ، صرح مدير عام المؤسسة العسكرية للمتقاعدين القدامى اسماعيل الشوبكي ، حول الخدمات التي يوفرها ويقدمها المكان للمتقاعدين وعائلاتهم من الخدمات الثقافية والاجتماعية والرياضية ، وفي سياق اهمية ودور المؤسسات المحلية في السلط. وعند زيارة جلالة الملك مبنى مدرسة السلط الثانوية ، اشار مدير المدرسة محمد الخرابشة الى تاريخ تأسيس المدرسة في عام 1923م ، وتحدث عن دورها في المسيرة التعليمية في المملكة ، باعتبارها اول مدرسة ثانوية في الاردن ، كما استعرض جلالته وبرفقته ولي العهد مجموعة من الصور الارشيفية لافواج الخريجين في عهد جلالة الملك الباني المغفور له الحسين بن طلال طيب الله ثراه ، كما زار جلالته احدى الغرف الصفية ودون جلالته كلمة تذكارية في سجل زوار المدينة .
ختامها مسك ، حيث ختم جلالته اللقاء والجولة الملكية بلقاء مع وجهاء البلقاء وبمناسبة اليوبيل الفضي كرم جلالته بعض الشخصيات والمؤسسات في محافظة البلقاء ، تقديراً وتثميناً من جلالته لجهودهم الخيرة ومساهمتهم الطيبة في خدمة الاردن ، ومنهم سمير احمد الحياري ( ناشر ورئيس تحرير وكالة عمون)، وايمن سماوي سماوي وماهر الحوراني وغيرهم ، وتبقى البلقاء ومدينة السلط الضاربة بالتاريخ رمزاً للكرامة والعزة .