عَيبٌ ما تَفعلونهُ !!!
لم يعد مستغربًا أن نرى في كل أسبوع أحد السياسيين أو المسؤولين السابقين على مقعدٍ أمام الميكروفون .. يروي “خبايا الدولة” و”أسرار المطبخ السياسي” !! وكأنها مغامرة ترفيهية أو توبة متأخرة .. الجديد هو أن بعضهم تجاوز حدود النقد إلى العبث بمؤسسات الدولة ، والطعن في نزاهتها وكفاءتها ، وكأن تاريخه الشخصي كان نموذجًا للنزاهة والإصلاح .
النقد المؤسسي حقّ مشروع ، بل واجب وطني .. ولكن ليس بهذه الطريقة المبتذلة التي تُحوِّل الحوار العام إلى سوقٍ للمزايدات .. فهؤلاء الذين يملأون الفضاء الإلكتروني اليوم بشعارات “المصارحة والجرأة” .. لم نسمع صوتهم عندما كانوا في مواقع القرار .. ولم نرَ منهم اعتراضًا واحدًا حين كانت تواقيعهم تُمرّر ما يصفونه اليوم بالخطأ .
فما الذي تغيّر؟ أهي الصحوة المتأخرة ؟ أم أن ضوء الكاميرا أغراهم بما لم يغنهم عنه المنصب ؟
والمؤلم أكثر أن بعض هذه الأصوات بدأت تُلمّح إلى مؤسسات وطنية سيادية وعلى رأسها دائرة المخابرات العامة .. وكأنها خصم أو جهة خفية تحرك المشهد من وراء الستار .
إن من يعرف الأردن يعرف أن هذا الجهاز، رغم ما يُثار حوله هو صمام أمان الدولة .. ودرعها الأوفى .. وأن تدخله – حين يتدخل – ليس نزوة سلطة بل واجب دولة ، تمليه اعتبارات الأمن الوطني التي لا يدركها من ضاق أفقه حتى حدود ذاته .
لسنا شعبًا يخاف النقد .. ولا دولةً تُخفي ضعفها بالكتمان .. لكننا نرفض أن يتحوّل النقد إلى وسيلة للتشهير والانتقام السياسي .. أو لتصفية الحساب مع المؤسسات التي لم ترضَ أن تكون أداة بيد أحد .
ومن العيب – بل من الخيانة الأخلاقية – أن يتحدث مسؤولٌ بالأمس عن “التضامن المؤسسي”، ثم يخرج اليوم ليهدم ما بناه بيده .. فقط لأنه خرج من المنصب وإفتقدَ أضواء الشهرة .
الأردن ليس حقل تجارب .. ولا مؤسساته بضاعة إعلامية تباع على منابر الإنترنت .. .
فمن أراد أن ينتقد فليتحدث بالوثيقة والمنطق !! لا بالغمز والتلميح .. وليعلم أن الثقة بالمؤسسات الأمنية ليست خيارًا سياسيًا بل ركيزة وجودية .. لأنها هي التي تحمي هذا الوطن عندما يتكاثر عليه الضجيج .
نعم .. نختلف وننتقد ونحاسب .. لكننا لا نسمح أن يُستخدم اسم الوطن مادة ترويج أو إعلان
فمن يظن أنه سيكبر بهدم الدولة فليتذكر أن الدول التي لا تحترم مؤسساتها لا تترك لأبنائها سوى رماد الكلام .
المحامي فضيل العبادي
